
الإخوان المسلمون من النشأة إلى المشروع الغربي المغلف بالإسلام
بقلم : عبد الله معروف
متابعة / عادل شلبي
تأسست جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 في الإسماعيلية بمصر على يد حسن البنا، في فترة حساسة أعقبت سقوط الخلافة العثمانية عام 1924.
نشأت الجماعة تحت شعار “الإسلام هو الحل”، وكان خطابها في البداية دعويًا إصلاحيًا يركّز على محاربة التغريب والانحلال الأخلاقي وتفعيل الشريعة في حياة الأفراد. لكن المثير للجدل أن هذه الجماعة ولدت في قلب بيئة استعمارية مباشرة، تحت الاحتلال البريطاني، بل في مدينة الإسماعيلية التي كانت مقرًا لقوات الاحتلال، وفي ظل صمت بريطاني مريب تجاه نشأتها، بل وسكوت عن توسعها وانتشارها.
وقد لاحظ بعض المؤرخين وجود دعم غير مباشر من الإنجليز الذين سمحوا بانتشار الجماعة في وقت كانت تحظر فيه كل الحركات السياسية الوطنية. والسؤال الذي يُطرح دائمًا: لماذا لم تُقمع هذه الجماعة في بداياتها مثلما قُمعت حركات مقاومة الاحتلال، كالوفد وغيره؟ هذا ما يفتح الباب أمام نظرية أن بريطانيا وربما جهات أخرى رأت في الإخوان أداة لضرب التيارات القومية والتحررية، وضبط الشارع الإسلامي داخل أطر دينية “غير ثورية” تمكّن السيطرة عليه.
استطاع الإخوان لاحقًا بناء شبكة علاقات عابرة للحدود، وتمددوا إلى الأردن وسوريا والسودان، ومن ثم إلى الخليج، ثم إلى أوروبا وأميركا. وقد اعتمدوا خطابًا دينيًا شعبيًا يتبنى “الخلافة” شعارًا بعيدًا، ويقدّمون أنفسهم كحماة الإسلام، فيما ظلوا يتجنبون الاشتباك الحقيقي مع الاستعمار. وفي السياقات السياسية، لعب الإخوان أدوارًا متناقضة؛ تحالفوا مع الملك فاروق ضد الوطنيين، ثم مع عبد الناصر لفترة قصيرة، ثم انقلبوا عليه، ومن بعده دخلوا في تحالفات مع أنظمة مختلفة بحسب مصالحهم التنظيمية، وليس وفق خط مبدئي دائم. وكانوا دومًا يرفعون شعارات كبرى، ولكن عند لحظات الحسم كانوا يميلون إلى الصفقات أو التحالفات أو التراجعات، وهو ما دعا كثيرًا من المفكرين الإسلاميين المستقلين إلى انتقادهم بأنهم تنظيم يبحث عن سلطة، لا عن مشروع نهضوي حقيقي.
وثائق وكتابات عديدة، بعضها نشره مفكرون غربيون، تذكر أن الغرب، وتحديدًا بريطانيا ثم لاحقًا الولايات المتحدة، وجد في الحركات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان وسيلة لمحاربة القومية العربية واليسار، واحتواء الغضب الشعبي في العالم الإسلامي ضمن قنوات دينية يمكن التلاعب بها.
وخلال الحرب الباردة، استُخدمت الحركات الإسلامية لضرب المد الشيوعي. وفي أفغانستان، دعمت أميركا المجاهدين الإسلاميين لقتال السوفييت، وهو ما شكّل بيئة لنشوء القاعدة لاحقًا. وهكذا أصبح الإسلام السياسي أداة جيوسياسية بيد الغرب، وأحيانًا عبر وسطاء إقليميين مثل السعودية أو باكستان أو قطر.
في السياق الفلسطيني، تأسست حركة حماس في أواخر 1987 كفرع لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، خلال الانتفاضة الأولى. وقد بدا ذلك تأسيسًا متأخرًا، إذ إن منظمة التحرير كانت تقود النضال الفلسطيني منذ الستينيات. تاريخيًا، كانت حماس مهتمة أكثر بالمجتمع الدعوي والخيري، حتى عام 1993 عندما دخلت الساحة السياسية بشكل مباشر. والعديد من الوثائق الإسرائيلية تُظهر أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكن يعارض نشاط حماس في بدايتها، واعتبرها وسيلة لمواجهة نفوذ فتح ومنظمة التحرير. بل إن بعض الساسة الإسرائيليين صرحوا بأن إسرائيل ساعدت في تسهيل صعود حماس لموازنة فتح.
أما بخصوص ما يُثار عن صبري، وهو اسم يُنسب أحيانًا لضابط مخابرات إسرائيلي مزعوم، فلا توجد وثائق مؤكدة تثبت أن شخصًا بهذا الاسم ساهم في تأسيس حماس، ولكن ثمة تقارير ومقالات تقول إن بعض الأجهزة الإسرائيلية سمحت لحماس بالنشاط لتفتيت الجبهة الفلسطينية، ضمن سياسة “فرق تسد”.
رغم أن حماس دخلت لاحقًا في صراع دموي مع إسرائيل، خاصة في حروب غزة، إلا أن مراقبين يرون أن حماس، بتكريسها الانقسام الفلسطيني وسيطرتها على غزة، قدمت خدمة مجانية لإسرائيل، حيث أصبحت غزة كيانًا منفصلًا تتذرع به إسرائيل لرفض أي مفاوضات مع الفلسطينيين “لأنهم منقسمون”.
ومن جهة أخرى، يلاحظ أن حماس والإخوان عمومًا لم يهاجموا القوى الغربية التي تدعم إسرائيل بنفس الحدة التي يهاجمون بها الأنظمة العربية، مثل مصر، بل تركزت دعايتهم دائمًا على “العدو القريب” بدل “العدو البعيد”.
في مشهد متكرر، نرى جماعات الإخوان تنظم مظاهرات أمام السفارات المصرية، وتتهم القاهرة بأنها سبب مأساة غزة بسبب إغلاق المعبر، متجاهلين أن فتح المعبر قد يعني فتح باب التهجير الجماعي. هذه المطالب، ولو بدافع إنساني ظاهري، تصب عمليًا في صالح خطة صهيونية لتفريغ غزة من سكانها. وبدل أن تطالب هذه الحركات بتحرير الأرض أو بإجبار إسرائيل على وقف المجازر، توجه البوصلة نحو مصر، ما يجعل القضية تنقلب من قضية صراع فلسطيني-إسرائيلي إلى نزاع سياسي مع مصر، وهذا يخدم فعليًا الرواية الصهيونية ويخفف الضغط الدولي عن إسرائيل.
نجحت جماعة الإخوان لعقود في السيطرة على عقول ملايين المسلمين، خاصة في أوساط الشباب، عبر خطاب عاطفي يتحدث عن “الخلافة” و”التمكين” و”تحكيم الشريعة”. لكن هذا الخطاب في الغالب لم يكن مشروعًا عمليًا، بل أداة للسيطرة والتنظيم الحركي، وتم استخدام الدين لأغراض سياسية، حيث بات الولاء للتنظيم مقدمًا على الولاء للوطن أو الأمة. واليوم، بعد تجارب حكم فاشلة في مصر وتونس وغزة، بدأت الصورة تنكشف لكثير من الناس، وأدركت الشعوب أن الإخوان لا يحملون مشروعًا حقيقيًا لبناء دولة أو مقاومة، بل هم تنظيم يسعى للسلطة، ولو على حساب الوطن والقضية والدماء.
الإخوان المسلمون، منذ نشأتهم، ظلوا محور جدل كبير في العالم العربي والإسلامي. من جهة يرفعون راية الدين، ومن جهة أخرى تورطوا في تحالفات غامضة وصراعات داخلية أدت إلى تمزيق الصفوف، وتقسيم الشعوب، وتعطيل مشروعات التحرر الوطني.
وفي غزة، تتجلى اليوم إحدى نتائج هذا المشروع: مقاومة شكلية، تحكم منفرد، شعب محاصر، وصوت يحمّل مصر كل شيء، بينما يبرئ فعليًا من يجب أن يُدان. وما يحتاجه الفلسطيني.