بقلم: دكتور لواء./ سمير فرج .
متابعة / عادل شلبى
تعتبر حاليا عملية اتخاذ القرار على مستوى الاستراتيجي، من أصعب القرارات التي تواجه الحكومات والدول على مختلف المستويات، سواء كانت الدول العظمى أو الدول العالم الثالث، حيث تواجه الدول الكبرى معطيات كثيرة في عملية اتخاذ القرار، خاصة على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العسكري أو الجيوإستراتيجي … إلى آخره.
ومن هنا تعقدت وتشابكت هذه الأبعاد وبالتالي أصبحت أكثر صعوبة خاصة في القرارات الهامة مثل اتخاذ قرار الحرب، واتخاذ قرار التحالفات السياسية أو العسكرية أو حتى القرارات الخاصة بالنواحي الاقتصادية.
ولعل أبسط مثال على ذلك قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، هذا القرار الذي وجدت بريطانيا نفسها بعد عدة سنوات. كان قرارا خاطئا، وأصبح الآن هناك تفكير في اتخاذ قرار جديد هو العودة إلى الاتحاد الأوروبي،
لذلك أصبحت عملية اتخاذ القرار، فى أى دولة، هى مفتاح وجهتها … خاصة عند تحديد الاستراتيجيات والسياسات المستقبلية بشأن الأمور المصيرية الخاصة بها.
تعتمد كل دولة في اتخاذ قرار على تكوين دوائر صنع القرار، ولكن هى جميع العناصر التى يستخدمها رئيسها للوصول إلى القرارات الحاسمة، لتحديد استراتيجيات دولته، وصولاً إلى السياسات المرتبطة بتنفيذ هذه الاستراتيجيات.
تنقسم دوائر صنع القرار، فى الدول، إلى دوائر مباشرة، ودوائر مساعدة. يتضح من التصنيف أن المباشرة منها تتولى إصدار القرارات النهائية، اعتماداً على ما تقدمه الدوائر المساعدة من بيانات ومعلومات. وقد يسمح للدوائر المساعدة تقديم مقترحاتها إلى الدوائر المباشرة، فى شكل توصيات، بشأن القرار المطلوب اتخاذه، بهدف الإسراع من عملية اتخاذ القرار.
تتكون الدوائر المساعدة، لاتخاذ القرار، من مجموعات متعددة منها الأساسي، ومنها التخصصي، وفقاً لطبيعة الموضوع المراد اتخاذ قرار بشأنه. فالمجموعات الأساسية التى ظهرت أخيراً فى العالم، والمعروفة باسم Think Tanks، قد تتبع مؤسسات الرئاسة مباشرة، أو قد تنشأ تابعة للوزارات السيادية فى الدول مثل الخارجية والدفاع، أو تعود تبعيتها لبعض المؤسسات الإعلامية بالدولة … أو قد تؤسس هذه المجموعات بتبعية خاصة، تعتمد فى تمويلها على القطاع الخاص، أو مؤسسات المجتمع المدني، للبحث فى موضوعات ذات صلة بمجال الأعمال والأبحاث الخاصة.
وعلى سبيل المثال، فقد كان للبيت الأبيض، فى أثناء فترة الرئيس السابق باراك أوباما، مجموعة Think Tank، برئاسة السيدة/ مادلين أولبرايت، وزير الخارجية الأسبق، وتميز تكوين تلك المجموعة بتنوع الخبرات والاختصاصات، بما أتاح تكليفها بمهام بحثية فى مختلف المجالات، لإعانة الرئيس الأمريكى على اتخاذ قراراته فى مجال السياسة الخارجية. وعلى عكس الرئيس السابق أوباما، فإن الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب، لم يحدد مجموعة مماثلة، حتى الآن، مكتفياً بمستشاريه الجدد الذين عينهم فى البيت الأبيض.
ومن الدوائر المساعدة لصنع القرار، أجهزة الأمن القومى وأجهزة الأمن الداخلي، إضافة إلى مجموعات الوزارات السيادية كالخارجية والدفاع والإعلام ورئاسة الوزراء، التى يطلق عليها البعض اسم زمركز إدارة الأزماتس. ولا يستلزم شرط الاستدامة فى الدوائر المساعدة، فالبعض منها قد يُشكل، بصفة مؤقتة، لفترة محددة، ولمهمة بعينها، فى تخصص محدد، مثل مجموعات دراسة موضوعات المياه، أو الزراعة، أو البترول، أو موضوعات ذات صفة قانونية، وغيرها من الموضوعات. أما المجموعات التقليدية، القديمة، لصنع القرار، فمنها مراكز الدراسات الاستراتيجية، ولعل أشهرها حول العالم هو International Institute for Strategic Studies (IISS)، فى إنجلترا، ومركز الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة الأهرام فى مصر، والذى كان له دور كبير فى تحديد يوم الهجوم فى سيناء فى أثناء حرب أكتوبر 1973، لما أسهم به بمعلومات وبيانات، ساعدت المخطط العسكرى المصري، آنذاك، فى وضع خطته.
أما الدوائر المباشرة لصنع القرار، فغالباً ما تبدأ بمجموعات الرئاسة أو الدائرة المحيطة بالرئيس، سواء أطقم المساعدين أو المستشارين، الذين يبدأ من عندهم تكليف باقى المجموعات، وتسلسل المهام، وتحديد الخطة الزمنية، والتنسيق بين كل الدوائر، حتى لحظة اتخاذ القرار. يلى ذلك المجموعة الثانية، والتى عادة ما تكون ذات طبيعة عسكرية، مثل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتكون أهميتها قصوى فى حالة ما إذا كان القرار المطلوب اتخاذه، يمس، بشكل مباشر أو غير مباشر، دور القوات المسلحة فى البلاد، أو يمس أمن وسلامة الوطن. يتكون المجلس الأعلى للقوات المسلحة من جميع التخصصات فى القوات المسلحة، بما يخوله القدرة على تقديم الرأى المباشر فى الموضوعات المطروحة، ذات الصلة. ويقوم المجلس الأعلى للشرطة بنفس المهمة، فى إطار اختصاصاته، وغير ذلك من الدوائر مثل مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أو مركز الأزمات بوزارة الخارجية، أو غير ذلك من دوائر صنع القرار التابعة لمختلف الوزارات، فيعمل كل منها فى محيط اختصاصه، ووفقاً للموضوعات المطروحة لاتخاذ قرارات بشأنها.
تتولى أطقم المساعدين بمؤسسة الرئاسة، تجميع التقارير والدراسات والمقترحات المرفوعة إليها، ثم يجتمع مجلس الأمن القومى للدولة، فتعرض عليه جميع التقارير لدراستها والوصول إلى أنسب القرارات فى ضوء ما هو معروض. تتولى سكرتارية الرئاسة، بعد ذلك، إصدار التعليمات المنفذة للقرار المتخذ، كما تتولى متابعة التنفيذ عن طريق مكتب المتابعة الخاص بالرئيس، أو مكتب Chief of Staff فى البيت الأبيض، على سبيل المثال. وفى حال نص الدستور على ضرورة موافقة البرلمان قبل اتخاذ القرار، فإن مقترح القرار يتم عرضه على اللجنة النوعية المتخصصة فى البرلمان، مثل لجنة العلاقات الخارجية، أو لجنة الدفاع والأمن القومي، وفى حال موافقة أعضائها على مشروع القرار، يتم إحالته للتصويت عليه فى الجلسة العامة للبرلمان، ولا يعتبر نافذاً إلا بموافقة أعضاء البرلمان. أما إذا نص الدستور على ألا يتخذ قراراً فى موضوع ما، إلا باستفتاء شعبى عليه، فيتم عرضه فى استفتاء شعبى عام، وفقاً لأحكام القانون. كانت تلك نبذة عن عملية صنع القرار على مستوى الدولة، وهو ما يتم شرح وتدريس تفاصيله فى كليات الدفاع الوطني، فى جميع دول العالم، سواء للعسكريين أو للمدنيين.
إلا أنه يجب التأكيد على وجود ثوابت فى استراتيجيات الدول، لا تحيد عنها مهما اختلفت الظروف… يضعها صانع القرار نصب عينيه، ولا يحيد عنها، قبل اتخاذ قراراته. فمثلاً للدولة المصرية ثوابت، لم تغيرها، فلا تسمح مصر ببناء قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، كما أنها لا تدخل فى أحلاف و تكتلات سياسية أو عسكرية. وعلى مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، فلها كذلك ثوابتها التى لم تتغير بتغير سياساتها، فأمريكا ملتزمة بأمن وسلامة إسرائيل، ومسئولة عن تفوقها العسكرى على باقى الدول العربية فى المنطقة.
فى النهاية نؤكد أن قرارات وسياسات الدول، ليست قرارات فردية، إنما تتم من خلال آلية منظمة، تحددها كل دولة وفقاً لقوانينها ودستورها.
ولذلك أصبحت مهمة اتخاذ القرارات الاستراتيجية لكل دولة عملية معقدة وصعبة للغاية سواء كان على مستوى الدول العظمى أو دول العالم الثالث.
إتبعنا