متابعة/ عادل شلبي
تحتفل مصر يوم السبت القادم، 9 من مارس، بأغلى أيامها، وهو “يوم الشهيد”، الذي خلدته مصر رمزاً لمن قدموا أرواحهم، عبر السنين، فداء لها، ولأمنها، واستقرارها، ورخاءها، وسيادتها. وقد اختارت مصر هذا التاريخ، تحديداً، لموافقته لذكرى استشهاد الجنرال الذهبي، الفريق أول عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، الذي استشهد في ذلك اليوم من عام 1969، على الخط الأمامي للدفاعات المصرية، على الضفة الغربية لقناة السويس، وأمامه خط بارليف الإسرائيلي، على مسافة 200 متر، هي عرض قناة السويس.
استشهد البطل المصري وهو يتفقد الدفاعات المصرية، في سابقة أولى لم تحدث في التاريخ العسكري من قبل، أن يستشهد رئيس أركان حرب قوات مسلحة على الخط الدفاعي الأول! تعرفت، لأول مرة في حياتي، على معنى احتفال الدول بيوم الشهيد، عندما ابتعثت إلى إنجلترا، في عام 1975، للدراسة في كلية كمبرلي الملكية، إذ لاحظت وفور وصولي لمطار هيثرو، بالعاصمة البريطانية، لندن، أن جميع العاملين بالمطار، وكذا عدد من المسافرين، يضع كل منهم، في عروة معطفه، وردة حمراء، يتوسطها دائرة سوداء، وتكرر المشهد بين ركاب مترو الأنفاق، أثناء توجهي لمحل إقامتي، ورأيت نفس المشهد عند وصولي للفندق، وعرفت، لاحقاً، أثناء متابعة نشرة الأخبار، أن ذلك اليوم يوافق ذكرى “عيد المحاربين”، في إنجلترا، وهم شهداء وجرحى الحروب السابقة لبريطانيا العظمى في كل حروبها السابقة.
وفي المساء، وعلى شاشات التلفاز، شاهدت ملكة إنجلترا، يصاحبها رئيس الوزراء البريطاني، وجميع أعضاء حكومته، وممثلي البرلمان البريطاني، يلتقون بعدد من جرحى تلك الحروب، وممثلين عن أسر الشهداء، في احتفال رسمي، لوضع أكاليل الزهور على نصبهم التذكارية، تقديراً، وعرفاناً، لما قدمه هؤلاء الأبطال لأوطانهم، وشعوبهم، من تضحيات. وهي ذات الطقوس والمراسم، التي تتبعها الكثير من البلاد الأخرى، مع اختلاف التاريخ، فمثلاً، الجزائر، بلد المليون شهيد وأكثر، تخلد ذكراهم في يوم 18 فبراير، من كل عام، بينما تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية بذكرى أبطالها، بعطلة فيدرالية تعرف باسم “Memorial Day”، في الاثنين الأخير من شهر مايو، من كل عام، وتحتفل الصين، سنوياً، في يوم 30 سبتمبر، بيوم الشهيد، حيث تكرم ذكرى الأبطال في ميدان تيانانمن، أكبر ميادين العاصمة بكين.
أما في مصر، فقد تم إنشاء “النصب التذكاري” لشهداء مصر، بعد حرب أكتوبر 1973، الذي صُمم على شكل هرمي، رمزاً للعمارة المصرية العريقة، وعلى أضلاعه كتبت أسماء عدد من الشهداء المصريين، المختلفين في انتماءاتهم الدينية، والمتفقين في هدف واحد هو الدفاع عن مصر، في كل حروبها المجيدة، وأسفل النصب التذكاري، دُفنت رفات أبناء مجموعة من الجنود المصريين، الذين لم يتم التعرف عليهم بعد الحرب، ليكونوا أساس “قبر الجندي المجهول” كرمز لكل شهداء مصر، الذين ننعم اليوم بالأمن والرخاء، بفضل تضحياتهم. كما تم إنشاء نصباً تذكارية، في كل محافظات مصر، لتكريم شهدائها، فما من بقعة في أرض مصر، إلا وجادت بخيرة رجالها، للدفاع عن الوطن. ولاحقاً، انضم إليهم قبر الرئيس الراحل أنور السادات، بطل الحرب والسلام، الذي طالته يد الغدر، واستُشهد في نفس المكان، أثناء الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر.
ومثل كل عام، ستبدأ مراسم الاحتفال، بهذا اليوم، بتشريف السيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، يصاحبه القائد العام للقوات المسلحة وكبار قادتها، وكبار رجال الدولة، لوضع أكاليل الزهور على النصب التذكاري، وقبر الجندي المجهول، وقبر الرئيس الراحل أنور السادات، صانع قرار حرب أكتوبر العظيمة، وهو ما يتزامن معه وضع أكاليل الزهور على النصب التذكارية للجيوش الميدانية، وبكل محافظات مصر.
يتبع ذلك أداء صلاة الجمعة التي يحرص السيد رئيس الجمهورية على أدائها مع قادة القوات المسلحة، ويعقبها تقليد أصيل، أسسه الرئيس السيسي، وهو دعوة أسر الشهداء والأبناء إلى لقاء موسع معهم لتناول الإفطار، في احتفال أسري رائع، للتأكيد على أن الوطن لم ولن ينسى، أبداً، أبناءه المخلصين. يتضمن الإعداد للاحتفال بذلك اليوم، أن تتصل إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، وإدارة العلاقات العامة بالداخلية، وباقي أجهزة الدولة المسؤولة عن أسر الشهداء، قبله بشهر، بكل أسر الشهداء، من القوات المسلحة والشرطة المصرية، للاستعلام عما يتمناه أبناء شهدائها من هدايا، أو ما نطلق عليها بالعامية “العيدية”، وذلك ليقدمها لهم رب الأسرة المصرية، الرئيس السيسي، بنفسه خلال استقبالهم، ولقاؤه بهم. أما من يتعذر حضوره للقاء، فتتولى القوات المسلحة والشرطة المصرية تسليمهم هداياهم في منازلهم، في لفتة كريمة، للتأكيد على رعاية مصر لأبناء شهدائها.
وكما تحرص الدولة على الاحتفاء بالشهيد، فأتمنى، كما كررتها مراراً، ألا يقتصر هذا الدور على المراسم الرسمية، فقط، بل أن يمتد كذلك إلى المدارس والجامعات ومراكز الشباب، في يوم التاسع من مارس، من كل عام، سواء من خلال كلمات الصباح في المدارس، أو من خلال التواصل مع وسائل الإعلام، ولا مانع من دعوة بعض أسر أولئك الشهداء، في كل محافظة، ليستلهم الجيل الجديد القدوة، وليتعرف على عظمة تضحيات شهداء مصر، البواسل، الذين جادوا بأرواحهم، في كافة حروبها، على مر السنين، وآخرها حرب القضاء على الإرهاب، لكي يعيش الشعب في أمن وطمأنينة، ويشهد ذلك الاحتفال، في هذا اليوم الغالي.
إتبعنا