لقاء وحوار

الأواني المستطرقة أمريكا فنزويلا

بقلم لواء دكتور/ سمير فرج. متابعة / عادل شلبي

دائمًا لي مقولة شهيرة: “نحن نعيش في عصر الأواني المستطرقة”، وهذا يعني أنه عندما تحدث أي مشكلة في العالم فإنها تؤثر على باقي دول العالم سواء كانت بعيدة أو قريبة، صديقة أو معادية. وأعتقد أن أبسط مثال على ذلك الحرب الروسية الأوكرانية التي كانت في قلب أوروبا، ولكنها أثرت على كل دول العالم بما فيهم مصر من ناحية القمح والحبوب والغاز. لذلك بدأنا نتابع هذه الأيام ما يحدث في أمريكا الجنوبية، وبالذات الصراع الذي يحدث بين فنزويلا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن هذه الدولة تملك أكبر احتياطي نفط على وجه الأرض، طبقًا لما أعلنه مركز إدارة الطاقة الأمريكية، فإن احتياطي الخام هناك 303 مليار برميل، يعادل خمس احتياطي العالم، وهو من النفط الخام الثقيل الحامض.

ورغم أن الولايات المتحدة تنتج نفطًا أكثر من أي دولة في العالم، ولكن نوعية النفط الأمريكي هو من الخام الخفيف الذي ينتج البنزين، أما النفط الفنزويلي الثقيل الحامض فينتج أنواعًا متعددة مثل الديزل والأسفلت وقود المصانع. حتى أن معظم مصانع التكرير الأمريكية شُيّدت لمعالجة النفط الثقيل من فنزويلا، ومن هنا جاءت أهمية هذه الدولة.

ورغم كل ذلك فإن فنزويلا تعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، من تضخم، وحالات الهجرة، والجوع، والمرض، والجريمة. ويقول الخبراء إن هذه الأزمة بسبب الفساد وسوء إدارة الاقتصاد والحكم غير الديمقراطي. ولك أن تتصور أنه منذ عام 2017 غادر البلاد أكثر من 2.3 مليون فنزويلي، وحاليًا تحتل هذه البلاد المرتبة الأولى في معدل جرائم القتل، وحاليًا 90% من السكان يعيشون في حالة الفقر، كل ذلك تحت حكم نيكولاس مادورو.

ولقد بدأت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين أمريكا وفنزويلا منذ عام 2010 واستمرت في التصاعد إلى ذروتها، حيث هناك من يقول إن الصراع بين الدولتين أساسه أن إدارة ترامب تريد الاستيلاء على احتياطي النفط الفنزويلي، وهذا ما صرح به الرئيس الكولومبي جوستافو لشبكة (CNN)، وخاصة أن العقوبات الدولية على فنزويلا أسهمت في تراجع صناعة النفط في البلاد، حيث شهدت البنية الأساسية التحتية للطاقة في فنزويلا تدهورًا كبيرًا أدى إلى تقلص إنتاجها من النفط، وخاصة أن نوعية الخام الثقيل الحامض يتطلب معدات خاصة ومهارات فنية لإنتاجه. لذلك جاء منع شركات النفط العالمية من العمل هناك بسبب فرض الحكومة الأمريكية العقوبات عليها.

كل ذلك أدى إلى تأثر الأسواق العالمية نتيجة الصراع الحالي بين أمريكا وفنزويلا، وزادت الأحداث بعد اتهام الرئيس ترامب أن فنزويلا تقوم بتسهيل دخول الآلاف من المهاجرين إلى أمريكا، كذلك فهي ترسل المجرمين أيضًا إلى الولايات المتحدة للإضرار بها. بالإضافة إلى أن فنزويلا ترعى أكبر تجارة للمخدرات في العالم، حيث تقوم بإرسالها إلى أمريكا، وأن عصابات المخدرات هناك أصبحت تتحكم في هذه التجارة في العالم كله، وخاصة ضد الولايات المتحدة. ومن هنا بدأت أمريكا بتدمير القوارب التي تخرج منها محملة بالمخدرات، كذلك أعلن الرئيس الأمريكي إغلاق المجال الجوي لدولة فنزويلا.

وعلى الجانب العسكري أعلن وزير الدفاع الأمريكي أن أمريكا بدأت تنفيذ انتشار عسكري بحري ضخم أمام سواحل فنزويلا، ولعل أهمها إرسال حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس جيرالد فورد”. ومن هنا بدأت تساؤلات في الولايات المتحدة حول إذا كان البيت الأبيض يمكن اتخاذ قرار الحرب على فنزويلا وبالتالي يظهر السؤال: هل يحق للرئيس ترامب أن يشن هجمات ضد فنزويلا دون موافقة الكونغرس؟ ويجيء الرد أنه طبقًا للدستور الأمريكي الذي ينص على أن الكونغرس فقط هو من له سلطة إعلان الحرب، ومع ذلك فإن المادة الثانية التي تحدد صلاحيات الرئيس الأمريكي القائد العام للجيش، سوف يفسرها البعض أن هذا النص يعطي الرئيس الأمريكي الحق بشن ضربات ضد أهداف عسكرية دون إعلان حرب التي هي سلطة الكونغرس.

وعمومًا فإنه حاليًا تجرى في الولايات المتحدة نقاشات عديدة وتحليلات، حيث يرى البعض أن سيكون من الخطأ الفادح شن أي عمل عسكري أمريكي ضد فنزويلا، حيث سيواجه معارضة قوية من الشعب الأمريكي، لأنه أولًا سيتعارض مع موقف ترامب الذي أعلنه خلال حملته الانتخابية بعدم التدخل في حروب برية، وثانيًا أن مآسي حرب فيتنام، أو كما يطلق عليها الأمريكيون “مستنقع فيتنام”، ما زالت آثارها في أذهان كل الشعب الأمريكي، خاصة خسائرها في الأفراد. لذلك جاء إعلان الرئيس ترامب أن صراعه مع الرئيس الفنزويلي إنها معركة ضد الإرهاب، إرهاب المخدرات، وأن العقوبات الاقتصادية على هذه البلاد ستكون أكثر فاعلية في الحد من تجارة المخدرات.

عمومًا يرى العديد من المحللين أن فكرة غزو فنزويلا غير قابلة للتنفيذ، مما يترك الخيارات المفتوحة أمام الرئيس ترامب محدودة للغاية، ولكن ما زالت الولايات المتحدة تواصل إصرارها على شرعية الهجمات ضد قوارب المخدرات، متجاهلة الانتقادات القانونية لهذه العمليات. ومن هنا يجيء السؤال الذي ينتظر العالم كله إجابته: هل يمكن للإدارة الأمريكية أن تنطلق إلى مستنقع فنزويلا بعمليات عسكرية مباشرة؟ ولكني أقول إنه من الصعب على الرئيس الامريكي الدخول في هذه المغامرة العسكرية، لأنه على الطرف الآخر أصبح يبحث عن جائزة نوبل للسلام التي لن تسمح له بالقيام بهذه المغامرة العسكرية في أمريكا الجنوبية.


اكتشاف المزيد من

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading