متابعة/ عادل شلبى
مادام قلمي في يدي، فلن أكف عن الكتابة، إلى أن يثبت أحد أمرين؛ إما عدم صحة كلامي، أو رؤية الحلم يتحقق، بأن يدرك الساحل الشمالي المصري، مكانته المستحقة، ويصبح المقصد الأول للسياحة في مصر.
فسواحل مصر، التي تتفوق على سواحل تركيا، لا تُدر عليها ما يُدره ساحل أنطاليا، مثلاً، المسئول عما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً، من دخل تركيا، فضلاً عن الدخل الإضافي الناتج عن المقاصد السياحية الأخرى، مثل بورصة وأسطنبول وكابدوكيا. فرغم تقدم تركيا في المجالات الصناعية والزراعية، تبقى السياحة الممول الرئيسي للخزانة. تلك الكلمات مبنية على خبرة ثلاث سنوات، أمضيتها ملحقاً عسكرياً لمصر لدى تركيا، كان مقر عملي خلالهم، في العاصمة أنقرة، التي شيدت، تاريخياً، على عجل، فخرجت في صوة لا يجوز وصفها بالتميز، لذا كان أفراد البعثات الدبلوماسية، يرحلون عنها، في عطلات نهاية الأسبوع، قاصدين ساحل أنطاليا، في رحلة لا تتجاوز ساعتين، على طريق بري، أكثر من رائع.
يعتبر ساحل أنطاليا امتداداً للساحل المصري، على البحر المتوسط، الذي يبدأ من السلوم غرباً، حتى العريش، غرباً، التي يميزها النخيل المصري، الممتد على طول النظر، فتتشعر فيه وكأنك في أحد شواطئ ميامي بالولايات المتحدة، ثم تتصل الشواطئ المصرية بشواطئ فلسطين ولبنان وسوريا، ومنها إلى سواحل أنطاليا في تركيا، ثم سواحل جنوب أوروبا. والحقيقة أن نموذج السواحل التركية، والرؤية القائم عليها، تستحق الإشادة، فذلك الساحل، على امتداده، يضم مدناً سياحية جميلة مثل مرمريز التي تشبه في روعتها مدينة شرم الشيخ، ومدينة بودروم التي تشبه في سحرها مدينة الغردقة، وتضم أحد القلاع التركية القديمة، الشبيهة لقلعة قايتباي في الإسكندرية، والشهيرة بحفلات العشاء، التي تقام بها، يومياً، وتعتبر أحد الوجهات الأساسية للسياح، الذين يحتاجون، أسبوع مسبق، لتأكيد حجز طاولة بها، لشدة الإقبال عليها.
ولقد اهتمت تركيا بهذا الساحل، بتوفير الخدمات اللازمة لجنسيات السياح الذين يرتادونها، فأقامت، مثلاً، مجموعة قرى سياحية جاذبة لسياح الدول الإسكندنافية، كالنرويج والدنمارك، فتجد العاملين فيها، من الأتراك، يتقنون لغة الفلامش، ويجيدون تقديم الأطعمة والمشروبات الخاصة بأهل تلك الدول. ورغم نجاح التجربة التركية في استقطاب نحو 40 مليون سائح سنوياً، إلى سواحل أنطاليا، وما لذلك من مردود إيجابي على الاقتصاد التركي، فهل تعلم، عزيزي القارئ، أن أي من أولئك السياح لا يجد الفرصة للاستمتاع بمياه البحر المتوسط، نظراً لقتامة مياه ساحل أنطاليا، التي تصل إلى اللون الأسود، فضلاً عن أن شواطئها صخرية، خالية من الرمال، فحتى ارتداء الحذاء عليها لا يحميك من أذى صخورها، مما يضطر السائح لقضاء إقامته حول حمامات السباحة الصناعية، خلال أشهر الصيف، القاصرة على يوليو وأغسطس. وهو ما كان يشعرني بالحسرة على عدم حسن استغلال هبة رب العالمين لنا، في مصر، سواء بروعة الطقس في معظم شهور العام، أو امتداد سواحلنا، على البحرين المتوسط والأحمر، وما يتيحه كلاهما من خصائص فريدة، فضلاً عن الشواطئ الرملية الناعمة، وزرقة المياه، ونقائها، الذي يمكنك من رؤية قاع البحر، دون الغطس.
ومن حسن حظي، أن توليت، خلال خدمتي بالقوات المسلحة المصرية، لأحد التشكيلات في المنطقة الغربية العسكرية، من السلوم حتى مدينة مرسى مطروح، الشهيرة بالشواطئ الرملية، والمياه الفيروزية، الهادئة، لكثرة الخلجان الطبيعية، مثل منطقة رأس الحكمة، حيث أجمل خليج طبيعي في العالم، المعروف باسم “خليج الأميرات”، نسبة للمصيف الذي بناه الملك فاروق، هناك، لاستخدام أميرات الأسرة الملكية، في العصور الماضية. وأذكر انبهار وفد رجال الأعمال الفرنسيين، بروعة هضبة السلوم، عندما زاروني بصحبة الفنان المصري العالمي، عمر الشريف، لدراسة مشروع لإقامة منتجع ونادي فوقها، وهو المشروع الذي لم يتم، حينها، رغم وجود مطار قديم هناك، من بقايا الحرب العالمية الثانية، الذي كان من الممكن تطويره لتنمية المنطقة.
فقد كان ينقصنا، التخطيط الشامل، والمتكامل، لمنطقة الساحل الشمالي، لجعلها وجهة سياحية عالمية، ببناء القرى، لاستقبال السياح، لمدة 8 شهور سنوياً، اعتباراً من شهر مارس، من كل عام، اعتماداً على روعة الطقس، وأسوة بما نراه على مستوى العالم، مثل ساحل أنطاليا في تركيا. ومع ذلك فما لا يُدرك كله، لا يُترك كله، فلازالت الفرصة سانحة لوضع الساحل الشمالي المصري على خريطة السياحة العالمية، بالاتفاق مع مالكي وحدات القرى السياحية الحالية، لاستغلالها، وتحويلها من قرى قاصرة على استخدامات المصريين، لمدة شهرين في المتوسط، من كل عام، إلى وجهات سياحية عالمية، تُحقق عوائد مالية كبيرة لمالكيها، من ناحية، واقتصادية للدولة من ناحية أخرى.
ولذا وجب الثناء على تصريحات السيد رئيس مجلس الوزراء، في الأسبوع الماضي، بوضع تطوير الساحل الشمالي، ضمن أولويات الحكومة المصرية، ليصبح مقصداً سياحياً عالمياً، لسكان أوروبا ومنطقة الخليج العربي، بناءً على ما تم إنجازه، خلال السنوات الماضية، من رفع كفاءة شبكة الطرق، سواء بتطوير القائم منها، أو إضافة الجديد لها، وفق أعلى المستويات العالمية، فضلاً عن تحويل عدد كبير من المطارات العسكرية القديمة إلى مطارات مدنية جاهزة لاستقبال كافة الرحلات السياحية، بما من شأنه إحداث رواج اقتصادي، والقضاء على البطالة، باعتبار قطاع السياحة، من أكثر القطاعات كثيفة استخدام العمالة.
وفي النهاية، أتمنى أن تتبع الحكومة الجديدة، نهج خلق الفرصة من حسن استغلال المميزات، خاصة الطبيعية، التي حبى الله مصر بها.
إتبعنا