بقلم: لواء دكتور/ سمير فرج.
متابعة/ عادل شلبى
يوم تاريخي لمصر يوم أن نجحت السويس في صد الهجوم الإسرائيلي الذي حاول اقتحام المدينة، حين خصصت القوات الإسرائيلية لواء مدرع، وكتيبة من لواء مظلي لمهاجمة مدينة السويس، التي لم يكن بها، حينئذ، سوى ممثلو الوحدة الإدارية وأفراد المقاومة الشعبية. وعلى الفور، أمر العميد يوسف عفيفي، قائد الفرقة ١٩ مشاة، المتمركزة بشرق القناة، بدعم المدينة بعناصر من الصواريخ المضادة للدبابات، بقيادة الرائد علي رضا والرائد علاء درويش.
تعود قصة تلك المعركة إلى قرار إسرائيل اقتحام مدينة السويس، بهدف إحداث ضجة إعلامية كبرى، تحقق لها النصر في حرب أكتوبر ١٩٧٣، بافتراض أنها مهمة سهلة، وخصصت لتنفيذ مهمتها لواء مدرع، وكتيبة من اللواء المظلي، من ذوي الكفاءة القتالية العالية، بينما القوات العسكرية المصرية، في مدينة السويس، هي عناصر إدارية، تابعة لقوات الجيش الثاني، الموجود في شرق القناة. وأمام تلك التحركات من العدو الإسرائيلي، قرر العميد يوسف عفيفي، قائد الفرقة ١٩ مشاة، الموجود في شرق القناة، دعم قوات المدينة بعناصر من الصواريخ المضادة للدبابات، وعناصر من مجموعات قنص الدبابات. وكان قائد هذه المجموعة الرائد علي رضا من الفرقة ١٩ مشاة، بينما قاد مجموعة الصواريخ المضادة للدبابات الرائد علاء درويش.
بدأت المعركة في الثانية من صباح يوم ٢٤ أكتوبر من عام ١٩٧٣، حين أصدر الجنرال جونيه قائد الفرقة المدرعة الإسرائيلية أوامره لقائد اللواء المدرع الكولونيل أرييه كيرين، وقائد كتيبة المظليين يوسي يوفي، بضرورة اقتحام مدينة السويس، قبل وصول مراقبي الأمم المتحدة لتطبيق قرار وقف إطلاق النار. ولما علم العميد أركان حرب يوسف عفيفي، قائد الفرقة ١٩ المتمركزة شرق القناة، باقتراب العناصر الإسرائيلية من مدينة السويس، وجه الرائد علي رضا ومجموعته بالتحرك من شرق القناة لدخول مدينة السويس. ومع أول ضوء، تقدمت الوحدات الإسرائيلية في اتجاه حي الأربعين، فتصدت لها مجموعة الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وعناصر المقاومة الشعبية بإطلاق النيران، فكان أول عناصر المقاومة محمود عواد، الذي أطلق قذائف RPJ ضد الدبابات المتقدمة، ومعه زملائه، من اتجاه سينما رويال، إبراهيم سليمان ورفيقه محمد سرحان، فأصيبت الدبابات الإسرائيلية المتقدمة، والعربات المدرعة، واندلعت فيها النيران، وسط ذهول القوات الإسرائيلية، التي قفزت من الدبابات، محاولة الاختباء في المساكن المجاورة، فإذا بنيران رجال المقاومة الشعبية، ورجال الجيش الثالث، تنهمر عليهم.
أمام هذا المشهد، تراجع عناصر المظللين الإسرائيليين، وحاولوا الاحتماء داخل قسم الأربعين، فحاصرهم رجال المقاومة داخل القسم، ودارت الاشتباكات بين الجانبين، ومع حلول الظلام، أصدر الجنرال أدان أوامره للقوة الإسرائيلية بالانسحاب من مداخل المدينة، وهو ما كان، بالفعل، في فجر يوم ٢٥ أكتوبر، بعدما تكبدت ٨٠ قتيلاً، و١٢٠ جريحاً. وأعادت إسرائيل الكرة، مرة أخرى، فلم تلاق إلا نفس ويلات الهجمة الأولى، بل وبزيادة في عدد الجرحى. وبعد سريان قرار وقف إطلاق النار، حضرت جولدا مائير، والتقطت صوراً لها على مدخل مدينة السويس، لتزعم للعالم أن إسرائيل استولت على مدينة السويس، رغم وجود هياكل الدبابات الإسرائيلية المحروقة أمام مدخل مدينة السويس، شاهدة على عظمة الشعب المصري المقاتل، الذي حطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
لقد خلد التاريخ هذه المعركة، وسطر بطولة وبسالة رجال المقاومة الشعبية من أبناء السويس، بأحرف من نور، وفي مقدمتهم الأب الروحي للمقاومة الشعبية في السويس، الشيخ حافظ سلامة، الذي كان له دور عظيم في إذكاء الروح المعنوية لشعب مدينة السويس، الذين دافعوا عن مدينتهم بأسلحة بسيطة، ومعهم رجال القوات المسلحة، من أبناء الجيش الثالث الميداني، فكبدوا العدو الإسرائيلي خسائر مادية ومعنوية فادحة.
وبالعودة لمراجع التكتيك العسكري، نجدها تصنف المعارك العسكرية إلى معارك الصحراء، ومعارك المناطق الجبلية، ومعارك الغابات، وأخيراً معارك المدن، التي تُعرف بأنها مقابر الجيوش، وفقاً لآخر تحديث في قانون قتال الجيش البريطاني، Land Operation Part 2، الذي يقيم عمليات الهجوم على المدن، باعتبارها العمليات العسكرية الأكثر تعقيداً، مستدلاً في ذلك بمعركة السويس، عام ٧٣، التي تُعد حرباً حديثة، استخدم فيها المهاجم الإسرائيلي الأسلحة والمعدات الحديثة، في محاولته لاقتحام هذه المدينة، إلا أنه فشل، وتكبدت القوات الإسرائيلية خسائر جسيمة، لم تحدث في قتال القوات النظامية في أي معركة خلال حرب ٧٣، رغم أن القوات المهاجمة من الجيش الإسرائيلي، كانت من قوات النخبة الإسرائيلية، في ذلك الوقت. ويضيف المرجع البريطاني إنه مما جعل المعركة أشد ضراوة هو إصرار المدافع، ويقصد به القوات المصرية والدفاع الشعبي، على الحفاظ على أرضه، وهو العامل الواجب الانتباه لأهميته، ووضعه، دائماً، نصب عين المهاجم عند التخطيط لأي عملية هجومية في المدن.
وقد فرضت ذكرى ذلك اليوم العظيم، استدعاء بعض من مشاهد الحرب الروسية الأوكرانية، المندلعة منذ أكثر من عامين، والتي نجحت خلالها القوات الروسية في ضم ٢٠٪ من أراضي المدن الأوكرانية إليها، بينما حافظ مقاتلو السويس الشجعان عن مدينتهم، واستبسلوا في الدفاع عنها، رغم محدوية إمكاناتهم، ونجحوا في صد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي طالما تغنى بأنه الجيش الذي لا يقهر، وبقيت دباباته المحترقة أمام حي الأربعين شاهداً على عظمة المواطن والمقاتل المصري في حرب أكتوبر ٧٣، ليظل اسم مدينة السويس مرفوع عالياً، مثلما رفع أبناء بورسعيد اسم مدينتهم الغالية في حرب ١٩٥٦.