حوار ورأي

حرب أكتوبر مناظرتي مع شارون الـBBC لندن (5)

بقلم:لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة/ عادل شلبى
استعرضت في مقالي السابق، ونحن نعرض قصة المناظرة التي حدثت على قناة الـBBC البريطانية للإعلامي البريطاني المعروف ادجر الان في برنامجه الشهير الأسبوعي بانوراما. قصة استغلال شارون الثغرة بين الجيش الثاني والثالث، وقام بالعبور من شرق القناة إلى غرب القناة، ومن خلال البحيرات، ليصل الي الأراضي المصرية على الضفة الغربية لقناة السويس، وكيف أن الملازم جوفي Joffy، ومعه السلاح الجديد المضاد للدبابات تو. أستطاع أن يوقف هجوم اللواء المدرع المصري ليتقدم شارون.
وهنا جاء السؤال المهم من خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية .. “جنرال شارون.. إن خسائر إسرائيل في معركة الدفرسوار فقط تساوى خسائر إسرائيل كلها في حرب ١٩٥٦ و١٩٦٧.. ولذلك فإن من أطلق عليك الجنرال الدموي.. لم يكن مخطئاً” .. وثار شارون.. وأضاف لقد أعدت لإسرائيل هيبتها التي فقدتها في هذه الحرب.
ولكن ما يهمني هو السؤال الأخير في الحلقة وكان موجها للجنرال شارون قبل أن ينتهى وقت البرنامج… سأله خبير معهد الدراسات الاستراتيجية:.. الجنرال شارون في رأيك..؟؟ ما هي مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة لك من المصريين.. هل هجومهم يوم عيد الغفران والحياة متوقفة في إسرائيل؟ هل هجومهم في منتصف النهار وهو أمر لم يكن متوقعا ؟ هل قيامهم بغلق مضيق باب المندب في مفاجأة أذهلت إسرائيل؟ هل لأنهم نجحوا في التنسيق مع سوريا لشن الهجوم في توقيت مشترك؟ هل لأنهم هجموا بطول مواجهة القناة.. وهو أمر لم يكن في تخطيط. وحسابات وتوقعات الجانب الإسرائيلي؟ هل.. هل … وذكر له عدة نقاط أخرى ولكن شارون أجاب.. إن ذلك كله لم يكن مفاجأة لنا .. إن بعض ما ذكرته ربما كان خارج توقعاتنا .. وحساباتنا .. مثل إغلاق مضيق باب المندب.. لكن المفاجأة لي شخصيا في حرب ۱۹۷۳ .. هي «الجندي المصري».. هذا الجندي المصري.. لم يكن الذي قابلته في حرب ١٩٥٦ أو ۱۹٦٧، فالجندي المصري في الحروب السابقة كان لا يعرف القراءة والكتابة.. هذه المرة عندما كنت استجوب الأسرى المصريين بنفسي رأيت لأول مرة خريجي كليات التجارة والهندسة والحقوق.. إلخ. أيضاً الروح المعنوية لهذا الجندي هذه المرة كانت مختلفة تماماً …
وأضاف قائلاً إنه وهو متقدم بسرية الدبابات نحو الإسماعيلية بعشر دبابات.. وفجأة خرج من بين الأشجار 6 جنود من الكوماندوسز المصريين وقال إن ستة جنود… ضد عشر دبابات الأمر واضح أنهم جميعا قتلى.. وقال إن المفاجأة أنهم أصابوا خمس دبابات إسرائيلية.. وتم القضاء على الكوماندوز المصريين.. ويقول شارون… هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر.. الجندي المصري الجديد.. المتعلم خريج الجامعات، هذا الجندي المسلح بروح معنوية عالية.. تعلم شراسة القتال.. لم يعد يرهبه جيش الدفاع الإسرائيلي كما كان من قبل.. لقد صنعت منه هزيمة ١٩٦٧ إنساناً جديداً .. عكس توقعاتنا بعد ١٩٦٧. إننا قضينا على الجيش المصري، وأصبح جثة هامدة غير قادر على القتال مرة أخرى.
وأضاف شارون.. أنه يجب على المخطط الإسرائيلي في أي حرب قادمة مع مصر.. أن يضع في حساباته…. نوعية هذا الجندي الجديد.. الذي لم نقابله من قبل.. وأنهى حديثه.. هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر لي شخصيا … الجندي المصري الجديد.
انتهت المناظرة بحصولي على 8 درجات وحصل شاروون على أربعة درجات فقط.. مع توصيات عديدة جاءت معظمها سلبية في خطط وأداء جيش الدفاع الإسرائيلي.. سواء في الخطة الدفاعية لخط بارليف.. أو أداء معركة شارون غرب القناة .. بينما كانت الإيجابيات للقيادة المصرية.. الذي أوصى معهد الدراسات الاستراتيجية.. أنه يجب أن تدرس المعاهد العسكرية والمراكز العلمية هذا الفكر المتطور والتخطيط المتميز للقيادة المصرية، والأداء الراقي للجندي المصري في هذه الحرب.. كما أكد معهد الدراسات الاستراتيجية على إضافة عنصر جديد من عناصر مقارنة القوات وعناصر حسابات التوازن العسكري للدول، وهو إضافة العنصر البشرى، وهو أمر لم يكن محسوباً من قبل.. ولكن جاء ذلك بعد الأداء المشرف للجندي المصري في حرب ۱۹۷۳
ويكفي ان أقول انه في نهاية العام ٧٣ كان من المفترض ان يصدر معهد الدراسات الاستراتيجية تقريره السنوي Military Balance مع بداية عام ٧٤ كما يحدث كل عام لكنه تأخر ستة اشهر بهدف أن يتضمن عدد عام ٧٤ المفاهيم القتالية الجديدة التي حقها الجيش المصري في هذه الحرب.
حيث انه في بداية عام 73 قبل بدء الهجوم المصري واقتحام قناة السويس، كانت التقارير يتضمن أنه في حالة محاولة القوات العربية وبالذات المصرية الهجوم على خط بارليف واقتحام قناة السويس، فإن الفشل سيكون من نصيب القوات المسلحة المصرية. حيث أن أعداد ونوعية الأسلحة والمعدات الإسرائيلية تتفوق بمراحل على أعداد ونوعية الأسلحة والمعدات المصرية.
وهنا جاءت المفاجأة أن المصريين انتصروا في هذه الحرب، ومن هنا تأخر إصدار عدد التوازن العسكري Military Balance الصادر عن (IISS) عن عام 74 ليتأخر ستة شهور كاملة. حيث جاء العدد الجديد ليوضح أن معهد الدراسات الاستراتيجية قد وصل إلى حقيقة أن ما حققه المصريون في هذه الحرب يفوق كل التقديرات، لأنه برغم تفوق الجانب الإسرائيلي في أعداد ونوعية السلاح، إلا أن النصر جاء للمصريين بسبب نوعية جديدة تضاف في أي تحليلات قادمة، وهي الروح المعنوية للجندي الذي حارب لاستعادة أرض بلاده، ونوعية الجندي الذي أصبح خريج الجامعات العليا، وليضع معهد الدراسات الاستراتيجية فقرة جديدة في أي تحليلات قادمة، وهي نوعية الجندي وروحه المعنوية وتصميمه على القتال واستعادة أرضه ليغير الجندي المصري المفاهيم والعقائد القتالية في العالم كله بعد حرب 73.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock