كتب نادر حجاز في موقع mtv:
استُبعدت ألمانيا عن اللجنة الدولية التي ستتولّى مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، بعد رفض قاطع و”فيتو” رُفع من قبل حزب الله بوجه مشاركة برلين في اللجنة.
خسرت ألمانيا دورها كمفاوض ووسيط في المنطقة، بعد عقود من المهمات المعقّدة التي قامت بها، حيث كانت العرّاب لعمليات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحزب الله، لكن الموقف الألماني حيال قضايا الشرق الأوسط شهد تحولات كبيرة نقلتها الى موقع آخر.
صحيح أن ألمانيا تتولّى قيادة قوة “اليونيفيل” البحرية وتدير مركز المعدات والتدريب البحري الذي يعمل ضمن مهمام تنفيذ القرار ١٧٠١، لكن الجرّة كُسرت مع “الحزب” والثقة باتت معدومة، وما الانتقادات للدور الألماني بعد إنزال البترون سوى خير دليل على ذلك.
لكن ألمانيا لا تخفِ المهمة التي تقوم بها، وبعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، أعلن متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية، أن المهمة الرئيسة للفرقاطة “لودفيغسهافن”، التي تعمل ضمن “اليونيفيل”، هي منع وصول الأسلحة إلى حزب الله.
وعليه، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية خالد العزي، في حديث لموقع mtv، أن الأسباب التي تزعج حزب الله وأدت الى رفض الدور الألماني كثيرة، ومنها:
-الألمان جديّون في تنفيذ مهامهم ولا إمكانية لاختراقهم والتلاعب معهم، وهم يقودون البحر منذ العام ٢٠٠٦ حتى اليوم، ولم تُسجَّل خروقات او عمليات تهريب سلاح عبر البحر.
-ألمانيا تضع حزب الله على لائحة العقوبات الدولية، وتصنفه حزباً إرهابياً منذ العام ٢٠٠٦، وهناك مراقبة لجميع عناصر “الحزب” ولجمعياته، كما للحرس الثوري الإيراني. وهذا ما يزعج “الحزب” كثيراً نتيجة القبضة المفروضة على التعامل معه.
-الموقف الألماني من الأزمة اللبنانية على أكثر من صعيد، فألمانيا كانت تنفرد ولا تغطي الموقف الفرنسي بما يمارسه الفرنسيون في فتح العلاقات مع إيران وحزب الله، وآخرها عندما باتت تجمع الموفد الفرنسي لقاءات مع قيادة “الحزب” في قصر الصنوبر، تحت عنوان انه حزب موجود في التركيبة اللبنانية.
ويذكّر العزي بالرفض اللبناني للعرض الألماني بعد زيارة المستشارة أنجيلا ميركل إلى بيروت، عبر شركة “سيمنس” لإنتاج الكهرباء وبناء محطات في لبنان، مشيراً الى ان حزب الله هو الذي رفض هذا المشروع آنذاك عبر الوزير جبران باسيل.
وفي السياق نفسه، لفت العزي الى مشروع ألماني هولندي لإحياء مرفأ بيروت وإعادة بنائه كما أرصفته، من دون الاعتماد على الخزينة اللبنانية. لكنه رُفض أيضاً، وكان الاتفاق على شركة لبنانية فرنسية لاستثمار المرفأ، برضى من “الحزب” مقابل عدم طرح فرنسا لموضوع سلاحه على الطاولة، معتبراً أن هذه المحطات زادت من العطاء الفعلي مع برلين.
في المقابل، يشير العزي إلى علاقات قوية جداً تربط ألمانيا بإسرائيل، وهي التي تُحارَب دائماً بأنها ساهمت بالهولوكوست، والإسرائيليون يحاولون الضغط عليها لابتزازها وانتزاع الأموال منها، وتحميلها مسؤولية تاريخية. وكانت ألمانيا دائماً تحاول تبرئة نفسها وعدم الدخول في سجال مع تل أبيب. كما أنها أصدرت قانوناً يجرّم كل مَن يحارب الصهيونية ويقف بوجه إسرائيل، واعتباره معادياً للسامية.
يشار إلى أن المانيا تعبّر عن تعاطف كبير مع إسرائيل منذ ٧ أكتوبر، وكان تصريح وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أمام البرلمان الألماني لافتاً في ذكرى عملية “طوفان الأقصى”، إذ اعتبرت أن “أمن إسرائيل هو جزءٌ أساسي من وجود ألمانيا”.
توازياً، فإن ألمانيا هي الدولة التي تسلّح إسرائيل وتعتبر أن هذا الأمر غير قابل للنقاش، وفق العزي، وهي الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية من حيث تزويد تل أبيب بالأسحلة. كما أنها لم تتخذ أي قرار ضد اسرائيل بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو.
ولكن ما الذي تغيّر، ولماذا كانت ألمانيا مقبولة في السابق؟ يجيب العزي: “في العام ٢٠٠٦ كان الوضع مختلفاً، وكانت ألمانيا من ضمن مجموعة “الخمسة زائد واحد” في عملية المفاوضات النووية مع ايران، لذلك كُلّفت ألمانيا كمفاوض نزيه له علاقة جيدة ما بين الاسرائيلي والايراني في عمليات تبادل الأسرى منذ العام ١٩٩٣، إضافة لكونها جزءا أساسياً في الترويكا الالمانية، بريطانيا ألمانيا وفرنسا. وحينها لم تكن برلين أدرجت حزب الله على لائحة الارهاب بعد، ولم تكن عبّرت عن موقفها الرافض للتفاوض مع طهران بسبب دعمها للروس في اوكرانيا بالصواريخ والمسيّرات وتشكيل خطر على الأمن القومي الأوروبي”.
يشكّل الموقف الألماني نموذجاً للمرحلة المقبلة ربما، وصحيح أنها لن تكون في لجنة المراقبة، لكن وجودها على رأس قيادة البحر يعطيها كامل الحرية للتصرّف… ودائماً بالتنسيق مع واشنطن وبموافقة لبنان الرسمي، في السابق من خلال القرار ١٧٠١ واليوم عبر الاتفاق الأخير، بما ظهر وما خفي منه