لايدن: صمود التاريخ ورسائل التضامن الإنساني

بقلم عبداللة معروف
متابعة عادل شلبي
تقف مدينة لايدن الهولندية في قلب البلاد كإحدى أجمل المدن التاريخية، حيث القنوات المائية المتشابكة، والجسور الحجرية العتيقة، والبيوت التي تنعكس ألوانها على صفحة الماء. هذه المدينة، التي تُعرف بـ”المدينة التي تعيش فوق الماء”، ليست فقط موطنًا لأقدم جامعة هولندية، بل هي أيضًا شاهد حي على واحدة من أهم محطات التاريخ الهولندي، حين صمدت أمام الحصار الإسباني عام 1574.
يُحيي سكان لايدن في الثالث من أكتوبر من كل عام ذكرى فك الحصار، حين واجه أهل المدينة المجاعة ولم يجدوا سوى الجزر والبطاطس والبصل غذاءً لهم، وهو ما تحول لاحقًا إلى طبق تقليدي يعرف بـ”هوتسبوت”. هذه المناسبة لم تعد مجرد احتفال شعبي، بل غدت رمزًا وطنيًا يعكس معاني الصمود والحرية والانتصار على القهر.
ورغم مرور قرون على ذلك الحدث، لا يزال الهولنديون يستحضرون قسوته، إيمانًا بأن الذاكرة التاريخية ليست ترفًا وإنما درس متجدد في الكرامة. وفي الوقت الذي يحتفل فيه أهل لايدن بتحرر مدينتهم من الحصار، يعيش الفلسطينيون في غزة اليوم واقعًا مشابهًا من الجوع والحرمان نتيجة الحصار المستمر، الأمر الذي يمنح لهذه الذكرى بعدًا إنسانيًا يتجاوز حدود المكان والزمان.
وفي إطار هذه الفعاليات، جاءتني دعوة من السيد إدريس أبضالس، أحد أبرز الوجوه المجتمعية في لايدن، ورجل من أصول مغربية جعل من حضوره ومشاركته الفاعلة علامة فارقة في الحياة الثقافية والاجتماعية الهولندية. إدريس أبضالس ليس مجرد صاحب مؤسسة تجارية ناجحة، بل هو صوت الجالية المغربية، وجسر للتواصل بين الثقافات، ورمز للاندماج الإيجابي الذي يثري المجتمع الهولندي ويعزز قيمه الإنسانية. يحظى إدريس أبضالس باحترام وتقدير الملك والمسؤولين، ويقدره الأغنياء والفقراء والبسطاء على حد سواء، لما يقدمه من جهد ووقت لخدمة المدينة والمجتمع.
لقد قدّم الكثير من جهده وإمكاناته في سبيل خدمة المدينة التي أحبها، فصار مثالًا يُحتذى به في الانتماء والمساهمة والوفاء للأرض التي يعيش عليها.
إن إحياء ذكرى تحرير لايدن، بمشاركة شخصيات مثل إدريس أبضالس، يذكرنا أن الهوية لا تقتصر على الأصل أو الجنسية، بل تُبنى من خلال القيم المشتركة والإيمان بالمبادئ الإنسانية الكبرى. وبين حصار الأمس في لايدن وحصار اليوم في غزة، يبقى الدرس واحدًا: لا حصار يدوم، ولا جوع يقهر إرادة الإنسان في الحرية.
اكتشاف المزيد من
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.






