
القيم الإنسانية
أخر الأخبار
من يُحاسب ؟ بقلم/ صابر محجوب
في ظل ما تعيشه البلاد من تحديات تنموية وارتفاع متواصل في معدلات الاستهلاك والخدمات العامة، تتكرر المشاهد المؤسفة دون محاسبة واضحة أو تحرك فعّال.
فقد شهدنا مؤخرًا حريقًا مروعًا في سنترال رمسيس، أدى إلى حالة من الشلل شبه الكامل في خدمات الاتصالات والإنترنت بعدة مناطق، دون أي توضيح رسمي شافٍ من الجهات المعنية حول أسبابه أو خطة التعامل مع تداعياته.
لكن وقبل أن تلتئم جراح المواطنين من هذه الأزمة، تفاجأنا بكارثة جديدة لا تقل فداحة: انقطاع الكهرباء والمياه عن مناطق واسعة في محافظة الجيزة، لتتجدد المعاناة وتُطرح ذات الأسئلة:
أين خطط الطوارئ؟ من المسؤول؟ ومن يُحاسب؟
من ساقية مكي إلى البدرشين… الجيزة في الظلام
انقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي، تلاه توقف شبه كامل في خدمات المياه، ضرب مناطق:
ساقية مكي، العمرانية، المنيب، أبو النمرس، الحوامدية، والبدرشين، وسط درجات حرارة خانقة، ومطالبات يائسة من السكان بالإنقاذ، دون استجابة واضحة.
التصريحات الرسمية جاءت – كالعادة – مُكررة:
“زيادة في الأحمال”، “ارتفاع في درجات الحرارة”، “ضغط مفاجئ على الشبكة”.
لكن هذه الأسباب – وإن كانت واقعية – تُخفي خلفها إهمالًا ممتدًا لسنوات، وبُنى تحتية متهالكة لم تخضع لتجديد أو تطوير رغم تجاوزها 40 عامًا من التشغيل، ورغم توسع الكتلة السكانية وأحمال الاستهلاك.
المصدر الرئيسي للأزمة كان تعطلًا مفاجئًا في محطة محولات جزيرة الدهب (جهد 220 ك.ف)، ما أدى إلى فقدان كامل للتيار في مناطق العمرانية والحوامدية وساقية مكي والمنيـب، ثم لحقتها أعطال في محطة البدرشين 2، مما عمّق الأزمة.
وتوقفت تبعًا لذلك محطة مياه جزيرة الدهب، فتزامن انقطاع الكهرباء مع انقطاع المياه، ما فاقم معاناة المواطنين بصورة غير مسبوقة.
أضرار مادية ومعنوية لا تُحتمل… فمن يُعوّض المواطن؟
لم يكن الانقطاع مجرد خلل تقني، بل نكسة يومية تركت آثارًا مدمرة على كل بيت:
تلفت كميات هائلة من الأطعمة والأدوية المحفوظة في الثلاجات.
توقفت أجهزة طبية يستخدمها المرضى وكبار السن.
تعطلت الأجهزة المنزلية وتضررت إلكترونيات بفعل التذبذب في التيار.
توقف العمل في المحال، وانقطعت سُبل الراحة عن الأطفال والطلاب والموظفين.
إنها خسائر مادية ونفسية ومعنوية جسيمة، تُطرح معها أسئلة شديدة الوجع:
هل تعوّض الدولة المواطن عن طعامه؟ عن جهازه؟ عن صحته؟
أين المسؤولية؟ أين المحاسبة؟ أين الاحترام لحق المواطن في خدمة مستقرة، يدفع مقابلها بانتظام؟
الكهرباء لم تعد “خدمة عامة” بل تحوّلت إلى “سلعة مدفوعة الثمن”، تُحصّلها الدولة شهريًا من كل منزل ومحل ومنشأة.
لكن في المقابل، الخدمة تتراجع، والجودة تنهار، والانقطاعات تتكرر، بلا تحسّن، بلا خطة، وبلا رؤية مستقبلية.
رسائل إلى من يهمه الأمر
لم يعد الصمت مقبولًا، ولم تعد التبريرات تقنع أحدًا.
الدولة بكل أجهزتها مطالبة بـ:
1. إحلال وتجديد شامل لمحطات ومحولات جنوب الجيزة.
2. تطوير شبكات التوزيع بما يواكب الأحمال الحالية والمستقبلية.
3. تشكيل لجنة لتقدير الأضرار وتعويض المتضررين ماديًا.
4. تحقيق رسمي نزيه وشفاف لمحاسبة المقصرين.
5. نشر خطة زمنية معلنة لتحديث البنية التحتية في كل محافظة.
من يُحاسب؟ سؤال الشعب إلى الدولة
في النهاية، تبقى الحقيقة واضحة:
هذه ليست أزمة كهرباء فقط، بل أزمة ثقة بين المواطن ومقدم الخدمة.
ليست مجرد عطل، بل صورة من صور الإهمال الإداري وغياب المساءلة.
من يُحاسب؟
سؤال نوجهه اليوم… علّ صدى الغضب يصل لمن بيده القرار… قبل أن تصبح الأزمات عادة، والصمت عقوبة جماعية.
إتبعنا