متابعة/ عادل شلبى
أظن أن نبأ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسباق الانتخابات الأمريكية، التي حُسمت مؤخراً، كان أسعد الأخبار التي تلقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منذ فترة طويلة، لما تجمعهما من صداقة قوية، وطويلة، بدت شواهدها واضحة خلال الانتخابات الإسرائيلية، الماضية، عندما جابت لافتات الدعاية الانتخابية، لنتنياهو، كل أنحاء إسرائيل، وقد وضعت صورته ومعه صديقه الرئيس ترامب، في إعلان صريح عن اعتبار نتنياهو الابن المدلل للإدارة الأمريكية، الذي يحظى بتأييدها، غير المشروط. وأثناء الانتخابات الرئاسية، الأخيرة، في الولايات المتحدة الأمريكية، ظهر واضحاً دعم نتنياهو للرئيس ترامب في حملته ضد كاميلا هاريس.
ولعلنا لم ننس دعم الرئيس ترامب لنتنياهو، خلال فترة رئاسته السابقة، حين قرر نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس، منفذاً ما وعد به، خلال حملته الانتخابية، حينئذ، على عكس وعود كثيرة، مماثلة، قطعها معظم مرشحي الرئاسة الأمريكية، ولم ينفذوها بعد وصولهم للبيت الأبيض، بأصوات مؤيدي توجهاتهم. ولم يكتف ترامب بذلك، بل زاد عليه بتأييد قرار نتنياهو بضم هضبة الجولان السورية، التي احتلتها إسرائيل منذ حرب 67، تأييداً أحادياً، إذ لم يؤيد ذلك القرار أي من زعماء ودول العالم، إلا الرئيس ترامب.
أما ثالث ضرباته لتأييد نتنياهو فكانت في أسلوب حل القضية الفلسطينية، ففي حين اتجه معظم قادة العالم، بما فيه الحزب الديمقراطي الأمريكي، والرئيس الأسبق أوباما، والرئيس الحالي جو بايدن، نحو حل القضية بإقامة دولتين، إحداهما إسرائيلية بحدودها الحالية، وعاصمتها القدس الغربية، والثانية فلسطينية بحدودها في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، إذا بترامب يقوض كل الجهود التفاوضية، ويرفض حل الدولتين، ويؤيد حل الدولة الواحدة، وعاصمتها القدس الموحدة، وهو ما يُتوقع أن يكون الاستراتيجية الأمريكية، في الفترة القادمة، الأمر الذي لا يدعو للتفاؤل نحو حل عادل للقضية الفلسطينية.
وبنظرة تحليلية لفكر نتنياهو، واتجاهاته، في الفترة القادمة، بعد فوز ترامب بالسلطة، وفي ضوء ما يجري على أراض المعارك في قطاع غزة وجنوب لبنان وإيران، نجد أن القوات الإسرائيلية تمكنت، خلال العام الماضي، من إضعاف القدرة العسكرية لحماس، ولم تنجح في القضاء عليها، وهو ما يحسب نجاحاً لحماس، التي تقاتل جيشاً نظامياً، ببسالة، لمدة عام كامل، دون إمدادات مادية أو عسكرية من الخارج، إلا أنها ستحتاج لعدة أعوام لاستعادة قوتها العسكرية مرة أخرى، خاصة وأن إسرائيل ستغلق جميع مسارات إمداداتها من الأسلحة في الفترة القادمة. ولعل أبسط دليل على ذلك، هو إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي تم إقالته منذ أيام، بأن قوات الجيش الإسرائيلي لم يعد لها مكاناً في غزة، بعدما أضعفت القوة القتالية لحماس، ولم يبق سوى تدمير باقي الأنفاق، واستكمال تحرير الرهائن. ولذا أظن أن نتنياهو سيسعى للوصول لاتفاق محدود لوقف إطلاق النار، لحين عودة بعض الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، باعتباره من أكثر الأمور الضاغطة عليه من الشارع الإسرائيلي، والمهددة لبقائه.
أما فيما يخص موقف نتنياهو من حزب الله، فلا أظن نتنياهو سيوقف القتال في جنوب لبنان، إلا بعد تحقيق أمرين؛ أولهما القضاء على القوة النيرانية والقتالية لحزب الله، وثانيهما إعادة قوات حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني. وهنا سيتعين على الرئيس ترامب، الذي وعد الرئيس اللبناني بوقف القتال، إقناع نتنياهو بإيقاف الضربات الهجومية على العاصمة اللبنانية بيروت، وشمال لبنان، وحصر ضرباته الهجومية على الجنوب اللبناني، بما يحقق أهدافه بالقضاء على القوة النيرانية والقتالية لحزب الله، وإعادة قواته لما بعد نهر الليطاني. وهو ما أظنه سيتم الاتفاق عليه بين ترامب ونتنياهو، بوعد تأمين عودة أهالي المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في شمال إسرائيل على حدود لبنان.
وبالنسبة للموقف مع إيران، فوصول ترامب إلى البيت الأبيض من شأنه تغيير مجريات الأمور نحو ضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، وهو ما يتوافق مع استراتيجية نتنياهو، الذي كان يرى قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية والبترولية في ايران، لولا معارضة جو بادين لذلك، وهو ما ستستمر معارضته، في تقديري، من قِبل ترامب، في ضوء حرص الولايات المتحدة الأمريكية على عدم تصاعد القتال في المنطقة، إذ أن توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران، سيدفعها لشن حرباً إقليمية، وهو ما يتبعه تضرر المصالح الأمريكية في المنطقة، فضلاً عن اضطراب إمدادات النفط من الخليج العربي، وإحداث زيادة بالغة في أسعاره، نظراً لتحكم إيران في مرور ناقلات النفط من خلال مضيق هرمز، الواقع تحت سيطرتها الكاملة، ويتحكم في مرور ثلث الإمدادات العالمية للطاقة، الواردة من منطقة الخليج العربي، ومثله مضيق باب المندب، الذي يقع، حالياً، تحت سيطرة الحوثيون، أحد الأذرع القوية الإيرانية في المنطقة.
وبتحليل كل ما سبق، ففي تقديري أن ترامب سوف يتبع أساليب محددة مع إيران، ليس من ضمنها الموافقة على أي عمل عسكري ضدها، أو تشجيع نتنياهو على قيام إسرائيل بتوجيه أي ضربات ضد المنشآت النووية أو البترولية الإيرانية، في الفترة القادمة، وإنما بتشديد وزيادة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، في الفترة القادمة.
كانت تلك رؤيتي التحليلية للفكر الاستراتيجي، لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد فوز ترامب بمقاليد السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية.