القيم الإنسانية

ليلة القدر : رسالة العبادات والمعاملات

كتب : د عبدالعزيز آدم
عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية
هى ليلة ذات قدر، أنـزل فيها كتاب ذي قـدر، على يدي ملك ذي قـدر، إلى رسول ذي قـدر، لأمة ذات قـدر .
والقدر هو الشأن العظيم والمنزلة الكريمة، وسميت ليلة القدر بهذا الاسم لارتباطها بنزول القرآن الكريم فيها
“إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ” – سورة القدر
وفضل هذه الليله عظيم كما ذكر النبي صلي الله عليه وسلم أن “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” رواه البخاري.
وأن ثواب هذه الليلة وحدها يزيد عن ثواب ألف شهر كما قال تعالى “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” – سورة القدر.
نعم ثواب هذه الليلة المباركة يفوق ثواب الألف شهر بكثير وقد استخدم الرقم ألف هنا لأن رب العزة جل وعلا في القرآن الكريم كان يخاطب العرب بلغتهم ومعرفتهم بالأرقام، وقد كان الرقم ألف هو أكبر رقم يعرفه العرب في ذلك الوقت وينسبون له كل شيء عظيم زاد عدده، فكانو يقولون علي المليون مثلا ألف ألف، وبهذا فإن ثواب قيام هذه الليلة المباركة لا يعلمه إلا الله وحده، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة التي تسبقها
“وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ”- سورة القدر
وهذه الآية الكريمة تجزم على أن عقل الإنسان لن يستطيع أن يستوعب فضل ومقدار ومكانة هذه الليلة العظيمة.
وقتها: كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الآواخر من رمضان، والأجدى أنها في الليالي الفردية من العشر الأواخر.
ما يجب علينا فعله في ليلة القدر: يجب علينا أن نضع خطة محكمة قوامها الإخلاص بالقلب والصدق في العمل وذلك بإستحضار النية الخالصة رغبة فى رضى الله عز وجل تماما كما نخطط لأي عمل هام في حياتنا.
بداية من العمل بحديث النبي عليه الصلاة والسلام عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال صلى الله عليه وسلم: «قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني»- رواه الترمذي
وهذا الدعاء تحديدا أختصت به هذه الليلة المباركة لأنك عندما تطلب العفو من الله فيجب عليك أولآ أن تتحلى بهذه الصفة الكريمة بينك وبين عباد الله، والعفو تحديدًا هو الترجمة العملية لأثر العبادات على أخلاق المسلم في المعاملات والصفات والفضائل التي يحب أن يتحلى بها. فمن الممكن أن يصلى المسلم -علاوة على الفرائض- من النوافل ما شاء، وأن يكثر من قراءة كتاب الله وهذا أمر مطلوب، ولكن إن لم ينعكس أثر هذه العبادات الطيبة على سلوكه ومعاملته مع عباد الله، فهذا يعني أن هناك خلل شديد يجب الوقف عنده ويجب عليه مراجعة نفسه وإصلاحها وتهذيبها، لأن الدين عمل وعبادة، والعبادة في حد ذاتها لابد أن ينعكس أثرها على خلقه بشكل عملي واضح.
فلنكثر من هذا الدعاء في هذه الليلة المباركة، والأهم أن نتحلى بهذه الصفة الكريمة -صفة العفو- ونذهب عن قلوبنا كل الغل والحقد والضغائن لتصفو النفس وتطهر ونكون جديرين بأجر هذه الليلة المباركة. وأيضا يمكن عمل برنامج من الصدقة اليومية في الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، كل على حسب قدرته مهما كانت قيمة هذه الصدقة. وكذلك نحييها بصلة الرحم ولو بالاتصال في أطار من المودة مع كل الأهل والأصدقاء. مع المداومة على الذكر وقراءة القرآن الكريم والإكثار من الدعاء فكل دعاء المسلم مجاب باذن الله، إن لم يكن في الدنيا فسيكون له زخرا في الآخرة، ما لم يكن بإثم أو قطيعة رحم؛ كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن هذه الليلة العظيمة هى الفرصة والجائزة لكل مسلم، ومن نال خيرها فقد نال خيرًا كثيرا، ومن فاته خيرها فقد خسر فرصة عظيمة -ربما لا تتكرر مرة اخرى في حياته- لخير لا يحصى فضله في الدنيا والآخرة، فلا ندري هل تبلغنا آجالنا رمضان آخر وليلة قدر أخرى.
نسأل الله العظيم أن يبلغنا ليلة القدر وأن يجعلنا فيها جميعا من المقبولين. وإنها لفرصة طيبة بإذن الله تعالى نغتنم فيها ذخرًا من الزاد لآخرتنا قبل مماتنا، وفرصة أن نرى الله سبحانه من أنفسنا خيرًا ونترجم أثر عبادتنا لله على سلوكنا ومعاملاتنا وترابطنا كجسد واحد.
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّا
اللهم آمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock