بقلم: لواء دكتور/ سمير فرج

لواء دكتور/ سمير فرج
حوار ورأي

العالم إلى أين في عام 2024؟ (السودان وليبيا)

بقلم: لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة/ عادل شلبى
على مدار الأسبوعين الماضيين، وفي إطار سلسة من المقالات التي سنستعرض فيها الأحداث الجارية في العالم، حالياً، ومدى تأثيرها على أيام عام 2024، تناولت مجريات الحرب الروسية الأوكرانية، ثم حرب غزة التي شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، واليوم سأتناول ما يجري في الاتجاهات الاستراتيجية لمصر، الجنوبية والغربية، أو السودان وليبيا.
وقبل أن نتابع أحداث السودان، ذلك البلد الشقيق المحب لمصر، والذي يعد بالنسبة لنا، أمناً قومياً مباشراً، دعونا نسترجع لمحة تاريخية عن العلاقات الثنائية، فالسودان ومصر كانتا دولة واحدة حتى ثورة 52، حتى منحتها مصر استقلالها، بناءً على طلبها. وخلال فترة حكم البشير، التي امتدت ثلاثون عاماً، مرت العلاقات الثنائية بأسوأ حالاتها، نتيجة معاداته لمصر، فضلاً عما سببه للسودان من أضرار بالغة وعقوبات اقتصادية، نتيجة تصنيفها على قوائم الدول الداعمة للإرهاب، بعد استضافته لأفراد الجماعات الدينية المتطرفة، العائدة من أفغانستان، وخاصة بن لادن، وعناصر تنظيم القاعدة. ورغم معاداة البشير لمصر، إلا أنها لم تأل جهداً، مع الولايات المتحدة، لرفع السودان من قوائم الإرهاب.
وبعد عزل البشير شهد السودان، سلسلة من الصراعات وعدم الاستقرار، حتى توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، بين كافة الأحزاب السودانية، على أساس تسليم الحكم لسلطة مدنية، وإبعاد الجيش عن السياسة، ودمج قوات الدعم السريع مع قوات الجيش، وإجراء انتخابات جديدة، بناءً على دستور جديد، وتنفيذ اتفاقية جوبا. وكانت الأمور تسير في اتجاهها الصحيح، حتى ادعت قوات الدعم السريع، فجأة، أن الاندماج مع قوات الجيش يحتاج إلى سنوات عدة لإتمامه، وعلى أثر ذلك نشب القتال واحتدم الصراع بين القوتين، وأصبحت الحياة في السودان مأساة إنسانية، مما دفع أكثر من 5 مليون مواطن لهجرة منازلهم، وصل منهم، رسمياً، 300 ألف سوداني إلى مصر، في حين لم يأبه طرفي الصراع إلا بالقتال والسيطرة على أكبر عدد من المدن السودانية.
وقد تحركت مصر، على الفور، من خلال دعوة الرئيس السيسي إلى مؤتمر سلام للدول المجاورة للسودان، وحاولت الولايات المتحدة والسعودية التدخل لإيقاف القتال، عدة مرات، وحالياً، تسعى دول “منظمة الإيجاد” للتواصل مع الأطراف المختلفة، لوقف إطلاق النار. وعلى الاتجاه الآخر، قام حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، بزيارة أثيوبيا، حيث التقى مع رئيس وزراءها وعبد الله حمدوك، رئيس وزراء الحكومة الانتقالية السودانية الأسبق، في محاولة لإيجاد صيغة لحل المشكلة، وما زالت كل الأطراف، سواء في الاتحاد الأفريقي أو مصر، تحاول إيجاد مخرج للأزمة السودانية، التي وصلت إلى نفق مسدود.
أما على الاتجاه الاستراتيجي الغربي، فتعتبر ليبيا أمناً قومياً مباشراً لمصر، بحدود مشتركة تمتد إلى 1200 كيلو متر، وقد سادها، منذ رحيل القذافي، النزاعات وعدم الاستقرار، وانقسم الحكم فيها بين الشمال بقيادة عبد الحميد دبيبة، رئيس الوزراء المنتهية ولايته في طرابلس، وبين الغرب بقيادة أسامة حماد، رئيس الوزراء المعين من البرلمان في مدينة بني غازي، مع وجود 20 ألف من المرتزقة القادمين من شمال سوريا وغرب أفريقيا، فضلاً عن التواجد العسكري التركي، من خلال قواعد عسكرية بحرية وجوية، وسيطرة جوية على الأجواء الليبية.
وهكذا، تعيش ليبيا في مصير مجهول، حيث فشلت كل الأطراف في الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية للبلاد، يتم بمقتضاها تنظيم البلاد سياسياً وتشريعياً وتنفيذياً، لتبدأ ليبيا في مرحلة جديدة من إعادة البناء والتطوير، الذي لم تشهده منذ رحيل القذافي، فلم تبن بها مدرسة أو مستشفى، وتستغل جميع عوائد البترول للإنفاق على الجماعات المرتزقة، التي تؤمن كل فريق من الفرق المتنازعة.
ولكن تبرز المشكلة الرئيسية في تواجد القوات التركية الموجودة في ليبيا، والتي تشكل العقبة الرئيسية مع مصر، الرافضة لوجود قوات أجنبية على أراض مجاورة لها، وهو حق دولي مشروع، خاصة بعدما قامت حكومة طرابلس، برسم حدود بحرية مع تركيا، بما يتنافى مع كافة القوانين الدولية المنظمة لعمليات ترسيم الحدود البحرية! لذلك قامت مصر، على الفور، بترسيم حدودها مع إيطاليا واليونان، من خلال القنوات الشرعية، بما أفشل ترسيم الحدود البحرية، بين ليبيا وتركيا، مما زاد من عمق المشاكل بين الطرفين، إذ أن التقارب المصري التركي مرهون بحل مشكلة التواجد العسكري في ليبيا، في حين تسعى تركيا، في الحصول على حصة كبيرة من عمليات إعادة الإعمار في ليبيا، فور استقرار الأمور بها، والبدء في عملية التنمية.
وتستمر مصر، والدول الأوروبية، في مساعيهم لوضع الأطر والقواعد المنظمة لإجراء انتخابات رئاسية في ليبيا، والتنسيق لتحديد شروط الأحقية في الترشح لها، في ظل وجود حكومة محايدة، لإدارة العملية الانتخابية، وهو ما يرفضه دبيبه، المنتهية ولايته، والمُصر على البقاء في رئاسة الحكومة، طمعاً في الوصول لكرسي الرئاسة. وفي تلك الأثناء ظهر في المشهد، سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الراحل، الذي يسعى للترشح للرئاسة، رغم أنه مطلوب في محكمة العدل الدولية، ويواجه رفض الولايات المتحدة الأمريكية لترشحه لذلك المنصب.
وهكذا تسير ليبيا، الآن، في نفق مظلم، لا يعلم مداه أو مآله أحد، ولكننا نأمل أن يُغلّب أطراف النزاع فيها، المصلحة العليا لوطنهم، بالتوافق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، لضمان عودة الاستقرار إلى ليبيا وشعبه الشقيق.
لواء دكتور/ سمير فرج
حوار ورأي

الحرب الذكية … بقلم: لواء دكتور/ سمير فرج

متابعة/ عادل شلبى
مع تطور التكنولوجيا في العالم وخصوصا في مجالات نظيم المعلومات والحاسبات الالية وظهور العديد من البرامج الجديدة في الحاسبات الالية ورغم انه في الماضي كانت الجيوش تشبه الفكر المدني في التطوير لكن جاء الزمن الذي تستخدم الجيوش في العالم التطوير الذي يتم في القطاع المدنية لكي يتم تطويعه لكي يستخدم في الحياة العسكرية وكان من اهم هذه الاستخدامات هو الحرب الذكية smart warfare وكانت البداية عندما فاجأ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، العالم كله برفع ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» إلى 700 مليار دولار، أعتبارا من 2018، بزيادة قدرها نحو 150 مليار دولار، لتصبح تلك أكبر موازنة فى تاريخ وزارة الدفاع الأمريكية.
وجاءت تلك الزيادة على عكس كل توقعات المراقبين والمحللين للشأن السياسى فى الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة افتقار ترامب للخلفية السياسية والعسكرية، حتى انه لم يخدم فى الجيش الأمريكي، وفى ظل انتمائه لطبقة رجال الأعمال، فقد ذهبت جميع التوقعات الأولية، إلى توجيه معظم بنود الموازنة للاستثمارات فى البنية الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها من الشئون الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية، بغرض إيجاد فرص عمل جديدة للشباب، وخفض معدلات البطالة، مع تحسين الخدمات المقدمة للمواطن الأمريكي، وبالتالى تزداد شعبية الرئيس الأمريكي، وهو ما يحتاجه قبل انقضاء الفترة الرئاسية الأولي، تمهيدا لإعادة ترشيح نفسه لفترة ثانية، والفوز بها، وهى أمل كل رئيس أمريكى يصل إلى كرسى الرئاسة بالبيت الأبيض.
فكان ذلك القرار، بمنزلة الشرارة الأولى التى دفعت المفكرين والباحثين ومراكز الدراسات الاستراتيجية، ليس فى أمريكا فقط بل فى مختلف مناطق العالم، لإعادة تقييم وتحليلهم توجهات الرئيس الأمريكي، ماذا يريد هذا الرجل؟ماذا يفعل؟ وماهى سياساته المستقبلية، وظهرت بوادر وخيوط فكر واستراتيجية هذا الرجل، عندما التقى رئيس الأركان الأمريكي، ومجموعة رئاسة الأركان فى البنتاجون، وكانت التوجيهات واضحة، أريد أن تحافظ أمريكا على مركزها كأكبر قوة عسكرية فى العالم.. وأن تمتلك أحدث ترسانة عسكرية.. وأن يتم تطوير أسلحتها بصفة دورية ووتيرة سريعة، لضمان اعتماد جميع الدول على بلاده، ولإجبار الجميع على استيراد تلك الأسلحة المتطورة لمواكبة تحديات العصر، والتخلص مما لديم من أسلحة ومعدات جديدة، بوضعها فى المتاحف العسكرية أو مخازن النسيان!
وركز ترامب على ضرورة أن يكون التطوير باستخدام ذكاء العصر الجديد، وأحدث التقنيات التكنولوجية المستحدثة.. ومن هنا جاء مصطلح الحرب الذكية Smart Warfare أما التوجيه الثانى لترامب فكان أن تضمن هذه الأسلحة أقل استخدام للأفراد، والاعتماد على التكنولوجيا، وهو ما سبقه، بالتأكيد، حديث مع بعض الخبراء العسكريين، إذ ضرب مثالاً بتطور الاعتماد على القوة البشرية على مدافع الميدان، التى بدأت بعدد 12 فردا مقاتلا، ثم تقلص الطاقم إلى 8، ثم إلى 6 أفراد وعندما أصبح المدفع ذاتى الحركة على شاسيه دبابة، اكتفى بطاقم مكون من 4 أفراد فقط سائق ورام وملقم وقائد، واستطرد قائلا إنه يريد اتباع هذا النهج، بالاعتماد على الوسائل التكنولوجية، حتى الوصول إلى أن يتكون الطاقم من فرد واحد، فأمريكا، فى حربها القادمة لاتريد أن تخسر ابناءها، لذا يجب تقليل الاعتماد على العنصر البشري، فى الجيش الأمريكي، وهو ما سيوفر الكثير، كما أن مبيعات مثل هذه الأسلحة لبعض الدول، التى تفتقر إلى الكثافة السكانية، سيكون مكسبا كبيرا لهم ،وكان يعني، بالطبع دول الخليج العربي.
وشدد ترامب على ضرورة أن يتم تطوير هذه الأسلحة، بصورة تجعل من الصعب استخدامها بمعرفة الجماعات الإرهابية، على نطاق واسع، باعتبار أن معظمهم من محدودى العلم، خاصة فى الدول الفقيرة، والدول ذات الشعوب غير المثقفة وغير المتعلمة، وكان يقصد بالطبع، دولا مثل أفغانستان.
ويرجع مفهوم محدودية أعداد الجنود، إلى خبرة أمريكا السابقة، عندما خسرت الآلاف من الشباب الأمريكي، مابين قتيل وجريح ومن خرج بأمراض نفسية، من الحرب فى فيتنام، حتى إن امريكا انتهجت بعد ذلك أسلوبا جديدا، وهو الحرب بالوكالة بمعنى أن تحارب فى أى مكان من العالم، ولكن ليس بجنودها، وإنما بجنود دول أخري، وهو ماحدث فى أفغانستان عندما قامت بتسليح مجاهدى باكستان، وزودتهم، بالأموال لمحاربة الشيوعيين وطردهم من أفغانستان، ولكن هؤلاء المجاهدين تحولوا لمحاربة أمريكا، وكان على رأسهم أسامة بن لادن، ومنذ ذلك الحين، صارت أمريكا تشارك فى الحروب بأسلحتها ومعداتها، وتعتمد على نفسها باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مع تقليل الخسائر لابنائها من الشعب الأمريكي، وقد رأى الرئيس الأمريكى أن تلك الأسلحة الجديدة المتطورة، ستجد لها سوقا رائجة فى دول الخليج العربي، الغنية بالبترول والفقيرة فى أعداد القوى البشرية المدربة، والواقعة فى منطقة ملتهبة بالصراعات، وهو ما يتوقع أن يعود على الولايات المتحدة الأمريكية بأرباح طائلة.
وقد بدأت ماكينة الفكر الأمريكى المعروفة باسم The Pentagon Mind أو عقل البنتاجون فى تنفيذ توجيهات الرئيس الأمريكي، وأتوقع أن هذه الأسلحة الذكية، لن تخرج إلى النور قبل بداية عام 2022، حيث من المنتظر أن تستمر أعمال البحث والتطوير حتى عام 2020، يليها عامان من الاختبار الفعلى على الأرض، ويرجح بعض «الخبثاء» احتمالية افتعال الولايات المتحدة الأمريكية حربا جديدة، فى مكان ما من العالم، مع بداية عام 2022 للتطبيق العملى فى ميدان القتال، قبل أن تكون جاهزة للإنتاج والتسويق مع بداية عام 2025 .. وإن غداً لناظره قريب!
وبالفعل، بدأ الجميع يناقش هل كانت الحرب الروسية الأوكرانية هي التي استخدمت فيها الولايات المتحدة هذه الأفكار، وخاصة في الذخائر الجديدة والردارات، وبعض المعدات التي تم تسليمها إلى أوكرانيا خلال المعارك التي تمت خلال الفترة السابقة. وحتى الآن، لم توضح وزارة الدفاع الأمريكية على نوعية الأسلحة والمعدات الأمريكية التي تم فيها استخدام هذه الأساليب الجديدة في الحرب الذكية، إلا أن بعض الأنباء قد أفادت أن القوات البحرية الأمريكية قد استخدمت هذا الفكر في تطوير الفرقاطات البحرية الجديدة في الأسطول الأمريكي كذلك حاملات الطائرات التي وصل عدد العاملين عليها إلى أرقام كبيرة.
عموما فإن ذلك ما حدث بالنسبة للولايات المتحدة، أما روسيا والصين، فلم يتم الإعلان. عن أي منهم باستخدام هذا الفكر الجديد، إلا أن بعض الأنباء تعلن أن روسيا استخدمت هذه المفاهيم، ولكن لم تعلن عنها حتى ترى نتائج استخدامها في الحرب الأوكرانية، وخاصة أن معارض السلاح الذي حدثت مؤخرا، لم تظهر أي دولة، هذا الاستخدام الجديد في المعدات العسكرية
عموما فإن الجميع ينتظر ما سوف تبرزه هذه الأيام القادمة حول ذلك التطوير الجديد باستخدام الأسلحة الذكية في الحروب الحديثة
مقالات

العالم إلى أين في عام 2024؟ (حرب غزة) بقلم: لواء دكتور/ سمير فرج

متابعة/ عادل شلبى
استعرضت في مقالي، في الأسبوع الماضي، موقف الحرب الروسية الأوكرانية، التي أوشكت أن تبدأ عامها الثالث، بعد بضعة أيام، موضحاً تأثيرها على مختلف دول العالم، وذلك ضمن سلسلة من المقالات، سأتناول فيها ما يمر بالعالم من أحداث، بدأت من قبل، مع استقراء لتوقعاتها خلال عام 2024.
ولمقال اليوم، قررت تناول الوضع في غزة، والذي تغير، عما كان عليه، بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس، على قوات الاحتلال الإسرائيلي، يوم 7 أكتوبر 2023. إذ لم يتوقع أحد، حينئذ، أن تدوم تلك الحرب لأكثر من أسابيع قليلة، كما لم يتوقع أحد، أن تبلي المقاومة الفلسطينية ذلك البلاء العسكري المتميز، الذي تابعناه، حيث نجحت حركة حماس، في الأيام الأولى من الحرب، في الاستيلاء على ثلاث مستوطنات، وأسر نحو 250 رهينة من المدنيين الإسرائيليين، فضلاً عن أسر عدد من قوات الجيش الإسرائيلي. ونجحت حماس كذلك، في تخطي منظومة القبة الحديدية والسور الحديدي، ووصلت صواريخها إلى العاصمة الإسرائيلية، تل أبيب، ومطار بن جوريون، الذي توقفت فيه الملاحة الجوية لعدة أيام.
وكما أعلنت إسرائيل، فإن حربها على غزة، تستهدف تحقيق ثلاثة أهداف، واليوم ونحن على بُعد أيام من بدء الشهر الرابع للقتال، فإن إسرائيل لم تنجح في تحقيق أي من تلك الأهداف التي حددتها، وكان أولها تحرير الرهائن بقوة السلاح، وثانيها القضاء على حماس، أما ثالث الأهداف المعلنة فكان احتلال غزة. ومن الواضح فشلها في تحقيق الهدفين الثاني والثالث، بدليل استمرار الحرب حتى يومنا هذا، أما الهدف الأول، فلم يتحقق إلا جزئياً، ومن خلال هدنة، وصفقة لتبادل عدد من الرهائن، مقابل إطلاق سراح فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
والحقيقة أن تلك الحرب قد كشفت معاناة القوات الإسرائيلية، خاصة في حرب المدن، التي تعتبر أسوأ وأصعب أنواع الحروب، مع وجود الأنفاق التي أعدتها حماس خلال الأعوام السابقة، بأطوال تصل إلى 500 كيلومترات، شكلت عائقاً أمام القوات الإسرائيلية، وكبدتها أكبر خسائر بشرية في تاريخ حروبها. كما أثبتت الحرب ضعف عناصر الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة؛ الموساد والشاباك والمخابرات الحربية، والتي فشلت، جميعها، في الحصول على معلومات عن شبكة الأنفاق، أو توقيت هجوم حماس، أو معلومات عن شراء حماس للطائرات الشراعية، التي هاجمت بها المستوطنات، ولا عن التدريبات التي تمت قبل الهجوم يوم 7 أكتوبر الماضي.
وأمام كل ذلك، فمن المتوقع، والمنتظر، بعد نهاية الحرب، أن يستدعى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وقادة الاستخبارات الإسرائيلية الثلاث، للمساءلة، والتحقيق، الذي سيؤدي لعزلهم جميعاً، فضلاً عما سيواجه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحكومته، من محاسبة، عن التقصير في تلك الحرب من ناحية، وعن قضايا الفساد التي تنتظره في المحاكم الإسرائيلية المدنية، من ناحية أخرى.
ورغم تدمير إسرائيل لنحو 60% من مساكن قطاع غزة، علاوة على تدمير بنيتها الأساسية، سواء محطات الكهرباء، أو المدارس والمستشفيات، بدعوى وجود قيادات حماس في تلك المناطق، إلا أنها فشلت في القبض على أي منهم. كما فشلت القوات الإسرائيلية في الاستيلاء على غزة، رغم الضغط على مواطني شمال القطاع للنزوح جنوباً، باتجاه رفح، على أمل أن يتم نقلهم إلى سيناء. الأمر الذي رفضه، بوضوح، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأيدته أمريكا، مثلما أيدته في ضرورة حل المشكلة الفلسطينية من خلال حل الدولتين، وهو ما يرفضه نتنياهو، لتبدأ سلسة من المشكلات بين أمريكا وإسرائيل، منها رفض أمريكا سيطرة إسرائيل على قطاع غزة بعد انتهاء العملية.
والحقيقة أن تلك الحرب، قد كشفت وحشية الاحتلال الإسرائيلي، ومعاناة الشعب الفلسطيني، على مدار عقود طويلة، فانطلقت المظاهرات، في كل مدن العالم، تعاطفاً مع أهالي غزة، وتصدرت القضية الفلسطينية المشهد، خاصة مع تعنت القوات الإسرائيلية في دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، مما دفع جهات عدة للعمل على سرعة إنهاء الحرب، خاصة وأن أمريكا ستخوض معركة الانتخابات الرئاسية، اعتباراً من الشهر الحالي، في ظل فقدان جو بايدن للكثير من شعبيته، بسبب دعمه، غير المشروط، لإسرائيل، فيما اعتبرته شعوب العالم، دعماً للإبادة الجماعية، التي تشنها إسرائيل على فلسطين المحتلة، وهو ما يهدد فرص بايدن في الفوز بكرسي الرئاسة الأمريكية.
واتسعت دائرة الحرب، عند قيام الحوثيون، في اليمن، بإغلاق باب المندب، واعتراض واستهداف السفن الإسرائيلية، أو المتجهة إلى إسرائيل، مما اضطر الخطوط الملاحية، أياً كانت وجهتها، إما لتعليق رحلاتها، أو تغيير مسارها من خلال طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما من شأنه اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، بسبب ارتفاع تكلفة الشحن وبالتالي أسعار المنتجات، مما اضطر الولايات المتحدة لتكوين تحالف، يضم 20 دولة، للتصدي للحوثيون في باب المندب، وكذلك لتأمين الملاحة في البحر المتوسط ومضيق جبل طارق.
وأكدت الحرب على مكانة مصر، وقوتها المؤثرة، في المنطقة العربية والشرق الأوسط، بإدارتها الحكيمة، وقراراتها الحاسمة، ومبادراتها المتزنة، لجمع شمل الفرقاء والوصول إلى وقف الحرب، من خلال هدنة دائمة، على أساس تبادل أسرى الحرب، مقابل السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مع إعادة حكم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية في رام الله، وهو ما تتفق معه الإدارة الأمريكية، التي تدعو لتوحيد الحكم الفلسطيني، وإجراء استفتاء في غزة ورام الله.
وإلى لقاء في الأسبوع القادم، نناقش فيه الوضع في ليبيا والسودان، واتجاهاتهما في عام 2024 .
لواء دكتور/ سمير فرج
مقالات

العالم إلى أين في عام 2024؟ (روسيا) بقلم: لواء دكتور/ سمير فرج

متابعة/ عادل شلبى
أيام قليلة، وخطوات قصيرة، تفصلنا عن عام 2024، وسط تضرعات الجميع، في مختلف بقاع الأرض، بأن يكون عام خير ورخاء، ووسط ترقبهم لما ستسفر عنه أيام ذلك العام الجديد، وإلى أين ستقودنا مجرياته، وعما إن كانت أحداث 2023 ستستمر فيه، بعدما نالت منا الكثير. والحقيقة أنني لازلت مؤمناً، بما سبق وأن سطرته في مثل هذا المكان، في مطلع عام 2022، وتحديداً عند اندلاع الحرب بين روسيا أوكرانيا، عندما قلت إننا نعيش، الآن، زمن الأواني المستطرقة، بمعنى أن أي حدث، أياً كان موقعه على الكرة الأرضية، تنعكس آثاره على باقي دول العالم، بصرف النظر عن اتجاهاتها وأيدولوجيتها السياسية، أو قوتها العسكرية.
واليوم اسمحوا لي أن أبدأ سلسلة من المقالات المبسطة، لنتعرف على مناطق الحروب، أو الأحداث الساخنة، التي يمر بها العالم، حالياً، وتأثير كل منها سواء علينا، أو على باقي دول العالم، والتي سأبدها أولاً بالحرب الروسية الأوكرانية، يليها أحداث حرب غزة بين حماس وإسرائيل، ثم صراع “التنين النائم”، وأقصد به تحركات الصين لاسترداد تايوان من ناحية، ومن ناحية أخرى تلك المعركة الاقتصادية المستمرة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها الأزمة الناجمة عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثير ذلك على اتجاهات الاقتصاد العالمي.
ومع الأسف، فإن الأمر لا يقتصر على تلك الحروب والأزمات، فحسب، لذا سنتناول، سوياً، تصاعد مجريات الأحداث في ليبيا، فضلاً عن أزمة السودان التي وصلت إلى نفق مظلم وطريق مسدود. على أن يلي ذلك الانقلابات التي شهدتها العديد من الدول الأفريقية، مؤخراً، ثم المشكلة الإيرانية ومحاولاتها الحثيثة لامتلاك السلاح النووي، تلك المشكلة التي قد يبدو، للبعض، أنها دخلت ثلاجة الأحداث، إلا أنها، في الحقيقة، ما زالت تسيطر على مجريات الأمور في الشرق الأوسط.
وأخيراً، وليس آخراً، سأستعرض، مع حضراتكم، نبذة عن الصراع الخفي، حول الغاز والبترول، في منطقة الشرق الأوسط، والذي لا أظنه سيظل خفياً لمدد طويلة، وإنما قد يتحول إلى صراع حقيقي، في المستقبل القريب، خاصة بعدما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنها تمتلك دراسات وأبحاث، تفيد بأن احتياطي النفط، في منطقة الخليج، سينضب في غضون الخمسة عشر عاماً القادمة، على عكس احتياطي الغاز في المتوسط، والمتوقع تدفقه لنحو خمسون عاماً تالية. كل هذه الحروب والصراعات سوف أتناولها في كتاباتي، خلال الأسابيع القادمة، داعياً المولى ألا يزيد عددهم في ذلك الوقت.
ولنبدأ بالحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في22 فبراير من عام 2022، عندما رفضت روسيا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، لما في ذلك من تهديد لأمن روسيا القومي، باعتبار أوكرانيا دولة حدودية، وعلى أثر ذلك، شنت هجوماً عسكرياً، نجحت من خلاله في السيطرة على 20% من الأراضي الأوكرانية، وأعلنتها كأربعة مقاطعات مستقلة، وهي لوهنسيك ودونيتسيك وزابورجيا وخيرسون، لتجري، بعد ذلك، استفتاءً شعبياً، قامت بمقتضى نتائجه، بضم تلك المقاطعات الأربعة إلى روسيا.
وخلال تلك الحرب، التي أوشكت أن تتم عامها الثاني، قامت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها كل دول حلف الناتو، ودول الاتحاد الأوروبي، بمساعدة أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، إلا أن الدعم العسكري اقتصر على الأسلحة الدفاعية، وليس الهجومية، حيث كان هدف أمريكا، إطالة زمن القتال، في تلك الحرب، لإنهاك روسيا اقتصادياً وعسكرياً. فلو كانت أمريكا تستهدف نصرة أوكرانيا، في حربها مع روسيا، وتمكينها من استعادة أراضيها، لأمدتها بالأسلحة الهجومية اللازمة لتنفيذ تلك الخطة النوعية، لذا جاءت النتيجة الحتمية، بفشل الهجوم المضاد الأوكراني، في الربيع الماضي، واستكمال روسيا لعملياتها الدفاعية عن الأراضي التي ضمتها إليها، وفي المقابل بدأ الدعم الأمريكي والأوروبي، إلى أوكرانيا، في التراجع.
ورغم اقتصار العمليات العسكرية على الدولتين الأوربيتين؛ روسيا وأوكرانيا، بما يمكن وصفها بأنها حرباً إقليمية، إلا أنها تعتبر حرباً عالمية من حيث التأثير، إذ تأثرت كافة دول العالم سلباً، جراء تلك الحرب، في ظل كون الدولتين أكبر منتج، ومُصدر، للغلال أو الحبوب، خاصة القمح والذرة، على مستوى العالم، مما أدى إلى اضطراب سلاسل الإمداد العالمية من الحبوب، وارتفعت أسعارها لمعدلات غير مسبوقة، بالإضافة إلى كون روسيا أكبر مُصدر للغاز إلى أوروبا، والتي شهدناها تسعى لتغطية نقص إمدادات الطاقة إليها، بعدما قررت روسيا إجراء صيانة لخط الغاز الرئيس الواصل إلى أوروبا.
وأمام تلك التصاعدات المتلاحقة، لا أرى طريقاً آخر لحل الأزمة، سوى بقبول روسيا وأوكرانيا باللجوء للحل السياسي، والجلوس على مائدة المفاوضات، والتي سيكون لروسيا فيها اليد العليا، اعتماداً على أوضاع قواتها على الأرض. وأظن أنه سيتم الوصول إلى حل سياسي، يتم بمقتضاه اعتراف أوكرانيا بحق روسيا في شبه جزيرة القرم، وتعهدها بعدم الانضمام إلى حلف الناتو، بالإضافة إلى تعهدها بعدم امتلاك سلاح نووي، وفي المقابل ستسمح لها روسيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على أن تقدم روسيا تعهداً للأمم المتحدة بعدم تكرار الهجوم على أوكرانيا، مرة أخرى.
ورغم أن تلك النهاية، لن ترضي الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو، إلا أنني أظن أن توقيع معاهدة سلام، بين روسيا وأوكرانيا، لن يشمل شروطاً إضافية، على الأقل من جانب الأخيرة. مع توقعاتي بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بصياغة مشروع، يشبه “مشروع مارشال” لإعادة إعمار أوكرانيا، فور توقف القتال، لتنتهي الحرب الروسية الأوكرانية، في العام الجديد، لصالح روسيا.
وإلى لقاء في الأسبوع القادم نتناول فيه مجريات حرب غزة.