تقنية

طموحات المملكة العربية السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي

من موقع/أريبيان بزنس

طموحات المملكة العربية السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي ضمن السباق التقني العالمي

يتحدث خافيير ألفاريز، المدير الإداري الأول ورئيس قسم التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط، إف تي آي دلتا، عن طموحات المملكة العربية السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي.

ترتكز خطة المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي على الاستثمارات الاستراتيجية في البنية التحتية، وسيادة البيانات، والمواهب، في مساعٍ تمهّد الطريق نحو منظومة تقنية تنافسية ومؤثرة على مستوى العالم. تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى سباق عالمي عالي الأهمية، وبات محطّ أنظار العالم أجمع. وبدلاً من السعي إلى تصدّر السباق، وضعت المملكة العربية السعودية لنفسها هدفاً أكثر استراتيجية، من خلال تصميم المسار الذي تتنافس فيه جميع الأطراف. وفي الوقت الذي تنشغل فيه معظم الدول بمناقشة اللوائح والبحث المحموم عن قدرات الحوسبة، تعمل المملكة على بناء محرّك متكامل للذكاء الاصطناعي بمستوى غير مسبوق، بدءاً من مراكز البيانات السيادية، ووصولاً إلى الصفقات الضخمة لتوريد الشرائح، والتمويل الاستثماري المغامِر، والنماذج اللغوية الكبيرة. فضمن توجه استراتيجي على مستوى الدولة، تمضي المملكة بخطىً متسارعة وطموحة لتصبح لاعباً عالمياً مؤثراً في مجال الذكاء الاصطناعي. ولا يقتصر الذكاء الاصطناعي على الخوارزميات، فالأساس الحقيقي يكمن في البنية التحتية الرقمية، والبيانات الموثوقة، والمواءمة التنظيمية، والكفاءات المتخصصة. وتدرك المملكة العربية السعودية هذا الجانب أكثر من غيرها، وتتحرّك بعزم واضح لتشكيل ملامح مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي.

وفي قلب هذه الاستراتيجية تبرز شركة هيوماين (Humain)، عملاقة البنية التحتية التي أطلقتها الدولة حديثاً، بطموحات تصل إلى عدّة جيجاواط وطلبات بمئات الآلاف من الرقائق، وشراكات تشمل شركات كبرى مثل NVIDIA وAMD وQualcomm. ولا يمكن اختزال قيمة هيوماين في استثماراتها التي تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، فهي تعبّر عن إرادة واضحة ومدعومة بخطوات عملية على نطاق واسع، وهو أمر قلّما تستطيع دول أخرى ادّعاءه.

أساس الذكاء الاصطناعي لا يُشترى بل يُبنى

يفقد الذكاء الاصطناعي قيمته من دون وجود البنية التحتية الملائمة، فمراكز الحوسبة عالية الأداء، ومحاور البيانات المتخصصة، وشبكات الألياف الضوئية، والمكوّنات الموفّرة للطاقة، تشكّل الركائز التي تستند عليها هذه التقنية. وتدرك المملكة العربية السعودية هذه الحقيقة، لذا تدعم طموحاتها من خلال واحدة من أضخم عمليات بناء البنية التحتية على مستوى العالم، وشراكات بالمليارات مع شركات AMD وAmazon وQualcomm، بالإضافة إلى استثمار مغامِر إضافي بقيمة 10 مليار دولار أمريكي. وتؤكّد المملكة التزامها بالتوسّع، وتقدّم واحدة من أكثر بيئات الطاقة وفرةً وانخفاضاً في التكلفة عالمياً لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي. ومن خلال هذه الاتفاقيات الاستراتيجية في مجال الطاقة، يمكن تنفيذ منظومة ذكاء اصطناعي قادرة على المنافسة عالمياً.

بالإضافة إلى مشروعي Google Cloud وGroq في منطقة الرياض الجديدة، أطلقت المملكة مؤخراً شركة هيوماين المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى أن تصبح من بين أكبر مزوّدي البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في العالم. وتشتمل المرحلة الأولى من هيوماين على التوسع في السعة التشغيلية لتصل إلى 6.6 غيغاواط بحلول عام 2034، بما في ذلك 18,000 شريحة من نوع Nvidia Blackwell.

سيادة البيانات ميزة تنافسية

لو اعتبرنا البنية التحتية للذكاء الاصطناعي هي المحرّك، فالبيانات ستكون الوقود، وجودتها تحدد المدى الذي يمكن الوصول إليه. فكلما زادت قوة وملاءمة مجموعات البيانات، ازداد الذكاء الاصطناعي دقة ووعياً بالسياق.

وعلى خلاف الدول التي تعتمد على شركات أجنبية في الخدمات السحابية لتخزين البيانات ومعالجتها خارج حدودها، تتعامل المملكة العربية السعودية مع البيانات باعتبارها أصلاً سيادياً لا يجوز أن يخرج عن النطاق الوطني. فامتلاك بيانات نوعية وجيدة التنظيم يعني امتلاك مستقبل الذكاء الاصطناعي. المعادلة هنا بسيطة لكن فعّالة، سيادة البيانات تعني ميزة تنافسية. فالمصرف الذي يدرب أداة ذكاء اصطناعي لاكتشاف الاحتيال استناداً إلى بياناته الخاصة بالمعاملات، سيتفوق دائماً على آخر يعتمد على بيانات عامة من طرف خارجي. وهذه هي الميزة التي تسعى المملكة إلى ترسيخها ضمن أطرها الوطنية ومستوياتها المؤسسية.

ومن خلال التشريعات المرتقبة، ستخضع شركات الذكاء الاصطناعي لقوانين بلد المنشأ، في خطوة طموحة تهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين الانفتاح والامتثال والثقة. ولا تنفصل هذه الاستراتيجية في التعامل مع البيانات عن البنية التحتية؛ إذ تتيح للعملاء، في ظل النهج الذي تتبعه المملكة العربية السعودية، رؤية واضحة لكيفية استخدام بياناتهم ومعالجتها في الوقت الفعلي. ويمكن القول بأن السعودية تعتمد الشفافية المضمّنة في التصميم في نهجها، وسط مشهد عالمي تتزايد فيه رقابة البيانات وتنظيمها.

استثمار ضخم وأهداف أضخم

لا تقتصر جهود المملكة العربية السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي على الخوادم والرقائق والبنية التحتية المتقدّمة، بل تركز أيضاً على تشكيل ملامح قوى العمل المستقبلية والمهارات المطلوبة. ومن خلال مبادرات تقودها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، وشراكات كبرى مع شركات تكنولوجيا عالمية، تعمل المملكة على بناء كوادر وطنية تتماشى مع حجم الاستثمارات في البنية التحتية.

كما أعلنت المملكة عن صندوق لرأس المال الجريء بقيمة 10 مليارات دولار تحت مظلة هيوماين، لدعم الابتكار وتمكين الشركات الناشئة، وتوفير فرص تعليمية تطبيقية خلال العمل، في خطوة تعكس التزاماً ببناء منظومة متكاملة تغطي مختلف طبقات التكنولوجيا، وتعزّز مساهمة المبتكرين في القطاع الخاص والمشاريع الناشئة في مراحلها الأولى.

نموذج الذكاء الاصطناعي السعودي المستقبلي

يتمثّل أحد أبرز التحديات في النقص العالمي في الكفاءات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. وتُعد المبادرات التعليمية في الجامعات السعودية حلاً طويل الأمد، لكن في الوقت الراهن، ستواصل المملكة استقطاب المواهب التقنية العالمية رفيعة المستوى. ورغم أن دولة الإمارات تتفوق في تصنيفات جذب كفاءات الذكاء الاصطناعي عالمياً، إلا أن المملكة تسير بخطىً متسارعة نحو تقليص الفجوة.

ويُعد تركيز المملكة العربية السعودية على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مدرَّبة محلياً باللغة العربية، مثل نموذج علّام (ALLaM)، خطوة استراتيجية لتقليل الاعتماد على أنظمة لا تعكس بدقة ثقافات المنطقة أو لغاتها. ومن خلال قيادة تنظيم القطاع، وإرساء إطار عمل يرتكز إلى الشفافية والاعتبارات الأخلاقية، تضمن المملكة أن اعتماد الذكاء الاصطناعي يتم بمسؤولية وبقدرٍ عالٍ من المساءلة لجميع أصحاب المصلحة.

ويزداد السباق العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي احتداماً، في مضمار تمهّد فيه القرارات الذكية والمتّزنة والاستراتيجية الطريق نحو الصدارة. وتشكّل استثمارات المملكة العربية السعودية في البنية التحتية، وسيادة البيانات، والتنظيم الواضح، والمبادرات التعليمية، ركائز أساسية لما قد يُصبح واحداً من أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تقدماً على مستوى العالم.


اكتشاف المزيد من

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اظهر المزيد
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading