عربي ودولي

المال أولًا: هكذا رأت الصحافة السويسرية جولة ترامب في دول الخليج

* مي المهدي (موقع سويس إنفو)
سلطت الصحف السويسرية الضوء على زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دول الخليج، مشيرة إلى تغليب المصالح الاقتصادية على الأولويات السياسية، وأثارت تساؤلات حول تضارب المصالح وغياب الشفافية.

تزاوج المال والسياسة

اعتبرت العديد من الصحف السويسرية أن الزيارة كانت فرصة لإطلاق وعود استثمارية غير مسبوقة من دول الخليج تجاه الولايات المتحدة. ورأت وسائل الإعلام السويسرية أن هذا يمثّل تحوّلًا في العلاقة الأمريكية-الخليجية، حيث انتقل الأمر من التحالف السياسي إلى شراكة مالية، تتداخل فيها المصالح العامة مع المصالح الخاصة.

وفي هذا السياق، ركزتصحيفة نويه تسورخير تسايتونعرابط خارجي في تغطيتها على الطابع المالي للزيارة، ووصفتها بأنها “زيارة مليئة بالصفقات ذات الأرقام الضخمة”.

وأبرز ما صدر من السعودية، هو تأكيد ولي العهد محمد بن سلمان للرئيس الأمريكي أن بلاده مستعدة لاستثمار  600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال ولايته، وهو ما أعلنه ترامب بفخر في منتدى الاستثمار في الرياض. بالإضافة إلى صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار، وفقا لما ذكرته الصحيفة.

لكن التعهدات المالية في هذه الزيارة لم تقتصر على الدولة فقط، بل امتدت لتشمل عائلة ترامب ومشاريعه العقارية، كما أوضحت صحيفة لوتونرابط خارجي.  وقد اعتبرت الصحيفة أن محمد بن سلمان يمثل للرئيس الأمريكي الحليف المثالي: “يملك محمد بن سلمان كل ما يُعجِب الرئيس الأميركي دونالد ترامب: المال، والنفط، والعقارات… باختصار، هو كنز متنقّل يخدم مصالحه الشخصية، ويعزّز شعبية تيار (اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا) “.

وتؤكد الصحيفة أن هذا التقارب تُرجم عمليًا من خلال سلسلة تعاون مستمر بين مجموعة ترامب مع “دار غلوبال”، التي تُعتبر الذراع الدولية لشركة “دار الأركان” السعودية المتخصصة في تطوير العقارات الفاخرة، بما في ذلك مشروع برج ترامب في جدة.

أما على صعيد الطاقة، أفادت الصحيفة بأن المملكة العربية السّعودية وافقت على إبقاء أسعار النفط عند مستوى 60–65  دولارًا للبرميل. وقد اعتبر المراقبون هذه الخطوة دعما مباشرا لحملة ترامب الداخلية، عبر محاولة خفض أسعار الوقود في السوق الأمريكية، وبالتالي تقليل نسبة التضخم.

وفي قطر، لم تكن الرسائل الرمزية أقل حضورًا، إذ استبق الأمير تميم بن حمد الزيارة بالإعلان عن إهداء ترامب طائرة رئاسية فاخرة من طراز بوينغ 747-8 ، تقدر قيمتها بـ 400 مليون دولار، وفق ما ذكره موقع واتسونرابط خارجي.

وأشار الموقع إلى أن هذا النوع من البذخ السياسي لا يُمكن عزله عن العلاقة الشخصية التي تربط ترامب بزعماء الخليج، وكتب أن ترامب يشعر وكأنه في “مكانه السعيد” في هذه المنطقة، حيث يُستقبل بتكريم كبير ومظاهر احتفاء فاخرة، وتُعقد الصفقات بأسلوب يشبه نمط حكمه.

التحديات السياسية – ملفات مُرحّلة وسط أزمات مشتعلة

الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، يطّلعان على مجسّم لمدينة قيد الإنشاء، الثلاثاء 13 مايو 2025، في الرياض، المملكة العربية السعودية.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، يطّلعان على مجسّم لمدينة قيد الإنشاء، الثلاثاء 13 مايو 2025، في الرياض، المملكة العربية السعودية. The Associated Press.
وعلى الرغم من الحضور القوي للملفات الاقتصادية، إلا أن الصحف السويسرية لم تغفل البُعد السياسي، بل سلطت الضوء على ما وصفته بـ”التجاهل ” للأزمات الإقليمية المتفجرة، وفي مقدمتها الحرب في غزة، والتوترات مع إيران، وتطورات الوضع في لبنان وسوريا.

ورأت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ أن زيارة ترامب للخليج تُعامل كأن شيئًا لا يحدث في المنطقة، رغم اشتعال الأزمات في عدة بلدان. وجاء في تقريرها:  ” لن يكون للأزمات الكبرى والحروب أي حضور يُذكر خلال أيام الزيارة، وكأن لا وجود لحرب غزة، أو لهجمات الحوثيين، أو لتغير النظام في سوريا، أو لفرصة إضعاف حزب الله”.

وفي سياق مشابه، ركزت صحيفة لوتون على قضية التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وأشارت إلى أن الدينامية التي بدأت مع “اتفاقيات أبراهام” عام 2020، فقدت زخمها تمامًا. وأضافت أن “فرصة انضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام تلاشت مع استمرار تدمير غزة، والغزو الإسرائيلي لأجزاء من سوريا”.

من جهة أخرى، تناولت صحيفة ارغاور تسايتونغ غياب الرؤية الأمريكية تجاه المنطقة، إذ اعتبرت أن زيارة ترامب لا تحمل أجندة سياسية واضحة، بل تكتفي بالتركيز على العائدات الاقتصادية. ونقلت عن الباحث خالد الجندي من جامعة جورجتاون الأمريكية: “الرئيس الأمريكي لم يتبع أي استراتيجية دبلوماسية متماسكة منذ توليه الحكم، ولا سبب يدعو للاعتقاد بأنه سيبدأ الآن”.

كما رصدت وسائل الإعلام السويسرية تحوّلًا لافتًا في موقف دول الخليج تجاه إيران، مدفوعًا بهاجس الاستقرار بدلًا من الدخول في صراعات عقائدية. وأبرزت صحيفة لوتون هذا التبدل، مشيرة إلى تقارب الخليج مع الموقف الأميركي، وسعي السعودية لتفادي المواجهة المباشرة، حتى لو تطلّب الأمر القبول بالاتفاق النووي الذي كانت ترفضه في 2015، انسجامًا مع أهداف “رؤية 2030. هذا الأمر يعكس تحولًا في السياسات الأميركية والخليجية نحو براغماتية سياسية جديدة تُفضل التنمية على التصعيد.

أما صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ فرأت أن بن سلمان حقق أيضا الكثير من المكاسب على الصعيدين الداخلي والإقليمي ، حيث أكدت السعودية مكانتها كقوة لا يمكن تجاهلها، خاصة في مجال الاستثمارات.

ورغم فشل ولي العهد محمد بن سلمان في إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإطلاق برنامج نووي سعودي في السابق، فقد حصل على تنازل مهم يسمح للرياض بتحديد وتيرة التطبيع مع إسرائيل. وقد جمّدت الرياض مفاوضاتها بشأن “اتفاقات أبراهام” عقب اندلاع الحرب في غزة، وتشترط اليوم قيام دولة فلسطينية مقابل المضي في التطبيع.

وعلى صعيد آخر، أعلن ترامب رفع العقوبات عن سوريا بطلب من ولي العهد، في خطوة لاقت ترحيبًا من دمشق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock