متابعة عادل شلبى
عندما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد منذ نحو ١٠ سنوات، ليصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسؤول الكامل عن أمن وسلامة مصرنا العزيزة، بدأ يستمع منذ اليوم الأول إلى تقارير قادة القوات المسلحة المصرية، كما هو متبع في مثل هذه الأمور في كل دول العالم، وكان أولها تقرير الاستخبارات من كافة الأجهزة الأمنية للبلاد حول العدائيات المحتملة للدولة المصرية، والتي تهدد الأمن القومي المصري، بأبعاده المختلفة، ثم استمع لتقارير القادة حول إمكانات التصدي لهذه العدائيات لتأمين مصر؛ سواء أرضها أو استثماراتها، وحتى الأمن المائي الاقتصادي للدولة المصرية. خاصة وأن الاتجاهات الاستراتيجية المصرية الأربعة، المحيطة بمصر، صارت جميعها مهددة؛ فالاتجاه الشمالي الشرقي، وهو بوابة مصر الشرقية التي جاءت منها كل الغزوات عبر العصور، بدءاً من الهكسوس منذ أربعة آلاف عام، ثم قمبيز، ثم الإسكندر الأكبر، ثم الحملات الصليبية، والتتار، والمغول، والعثمانيين، ثم الحملات الإسرائيلية عام ١٩٥٦ و١٩٦٧، وأخيراً الإرهاب في سيناء لمدة ست سنوات، ثم الأوضاع في غزة، الآن.
أما الاتجاه الاستراتيجي الغربي، ناحية ليبيا، فقد أصبح مهدداً لأمن مصر، منذ رحيل القذافي من حوالي ثلاثة عشر عاماً، بعدما حل بها حوالي عشرون ألف مرتزقاً من شمال سوريا، فضلاً عن القواعد العسكرية التي أقامتها تركيا بها، وانقسام ليبيا بين حكومة في طرابلس بقيادة الدبيبة، الذي انتهت ولايته لكنه لا يزال في الحكم، وبين رئيس الوزراء أسامة حماد في بنغازي، إلى جانب البرلمان الذي انتهت مدته، وقائد الجيش المشير حفتر الذي نجح في البداية في القضاء على داعش. ورغم مرور ثلاثة عشر عاماً، لم يتحد الصف في ليبيا، لإجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية لاختيار قيادة موحدة، لتتجه البلاد نحو طريق مسدود، مع استمرار تواجد المرتزقة والمليشيات على أرضها، بما يجعل يشكل تهديداً للأمن القومي المصري.
وفي الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي، فيشهد السودان أزمة مستمرة منذ رحيل نظام البشير، حيث يقاتل الجيش السوداني، الذي يضم مائتي ألف جندي، قوات الدعم السريع، بقيادة الفريق حميدتي، ومعه 100 ألف مقاتل. وقد فشلت كل الجهود، سواء المصرية أو العربية أو الدولية، في وقف إطلاق النار. ونتيجة لذلك، نزح أكثر خمسة ملايين أسرة سودانية عن منازلها، فيما يعد كارثة إنسانية، صُنفت كواحدة من أكبر المجاعات في إفريقيا، وهو ما يشكل، مرة أخرى، تهديداً للأمن القومي المصري. كما أن سيطرة الحوثيين على باب المندب زادت من تعقيد المشهد، ومع تصاعد التوتر بينهم وبين إسرائيل ودول التحالف الأوروبي، لجأت السفن، بسبب ذلك التهديد، لتغيير مسارها الملاحي، والالتفاف حول طريق رأس الرجاء الصالح، مما كبد مصر خسائر اقتصادية كبيرة، منذ ذلك الحين، تجاوزت سبع مليارات جنيه، من دخل قناة السويس. أما ملف مياه نهر النيل، فلم يعد الأمر يقتصر على إثيوبيا، بل امتد لباقي دول حوض النهر، مما يتطلب استعداداً سريعاً لمواجهة أي تهديد للأمن المائي المصري مستقبلاً، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.
وفي الاتجاه الاستراتيجي الشمالي، في البحر المتوسط، أصبحت حقول الغاز مطمعاً للعديد من الدول، وقد شهدنا استيلاء إسرائيل على البلوك رقم 9، داخل المنطقة الاقتصادية اللبنانية، وكذلك استحواذها بالكامل على حقلي كاريش وقانا، مما دفع الولايات المتحدة إلى التدخل ومنح الحقل الثاني مناصفة بين إسرائيل ولبنان. وعلى الرغم من نجاح مصر في ترسيم حدودها البحرية مع دول الجوار، فإن التحرش التركي في البحر المتوسط لا يزال مستمراً، خاصة بعد محاولات تركيا لترسيم الحدود مع ليبيا، وهو ما فشل بفضل ترسيم مصر حدودها البحرية مع اليونان، فإذا بتركيا تسعى لترسيم حدودها البحرية مع سوريا، بعد زيادة نفوذها فيها، الأمر الذي قد يفرض تحديات جديدة، في الفترة القادمة.
لكل هذه الأسباب، كان من الضروري أن تمتلك مصر قوات بحرية، قوية، قادرة على تأمين الحدود البحرية في البحرين المتوسط والأحمر، وكذا مدخل قناة السويس، وهنا تجدر الإشادة بالقرار الاستباقي الأهم، في العصر الحديث، الذي اتخذه الرئيس السيسي فور توليه الحكم، وهو تنويع مصادر السلاح، الذي يُعد واحداً من أهم القرارات الاستراتيجية، التي اتخذها الرئيس السيسي في مصر، من حيث المضمون أو التوقيت، حيث بدأ تنفيذ خطة شاملة لتلبية احتياجات القوات المسلحة، عبر شراء طائرات الرافال الفرنسية، وحاملات المروحيات ميسترال، والفرقاطات من فرنسا والفرقاطات الإيطالية، وكذا أربعة غواصات وأربعة فرقاطات ألمانية، من أحدث الطرازات في الترسانات البحرية العالمية، منها واحدة تُصنع في الترسانة البحرية بالإسكندرية، بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة الجديدة من روسيا، والمسيرات من الصين، والمدافع بعيدة المدى من كوريا.
وبالتوازي مع قرار تنويع مصادر السلاح، شهدت الصناعات الحربية المصرية تطوراً غير مسبوق، منذ إنشائها في الخمسينات، بالتزامن مع ثورة ٢٣ يوليو، مما جعل مصر، اليوم، تمتلك سادس أقوى سلاح جوي في العالم، وسابع أقوى قوة بحرية، كما تُصنف قواتها المسلحة كأقوى الجيوش على مستوى أفريقيا، وعلى مستوى الدول العربية، وثاني أقوى الجيوش الإقليمية. وبتنويع مصادر السلاح، أصبحت مصر قادرة على تأمين حدودها واستثماراتها في البحرين المتوسط والأحمر، وأصبحت قواتها المسلحة تؤمن احتياجاتها ممن يناسبها من دول العالم، بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة، كمصدر واحد.
ومع تطور الأحداث العالمية والإقليمية، يتأكد لنا يوماً بعد يوم أن قرار تنويع مصادر السلاح كان أحد أهم قرارات الرئيس السيسي، وتزداد أهميته مع تغير الأوضاع في المنطقة.
إتبعنا