
هل تدرك حقًا معنى الحرب؟
بقلم:الخبير الأمني اللواء خيرت شكري.
متابعة عادل شلبي
في أوقات الأزمات والقضايا الكبرى، ترتفع الأصوات المطالبة بالمواجهة والرد العسكري، وتعلو الدعوات إلى الحرب باسم الكرامة، أو النصرة، أو الدفاع عن المبادئ. ومؤخرًا، باتت بعض الأصوات تطالب بدخول مباشر في الحرب مع إسرائيل، رغم عدم وجود اعتداء مباشر على أرض الدولة أو حدودها. لكن قبل أن ننجرف خلف هذه الدعوات، لا بد من طرح سؤال جوهري: هل تدرك فعلًا ماذا تعني الحرب؟
الحرب ليست منشورًا على وسائل التواصل ، الحرب ليست شعارًا ولا تغريدة، وليست نقاشًا حادًا على مقهى أو في برنامج تلفزيوني. الحرب قرار مصيري، يُسفك فيه الدم، وتُدمر فيه البنى التحتية، وتُهجّر فيه الشعوب، وتتوقف فيه عجلة الاقتصاد، ويُختبر فيه صبر الشعوب ومقدرتها على التحمل.
تاريخ المنطقة مليء بالحروب التي تركت جراحًا مفتوحة لعقود، ليس فقط في أراضي المعارك، بل داخل المجتمعات نفسها. انظر حولك: كم دولة دخلت الحرب ولم تخرج منها إلا منهكة، أو ممزقة، أو حتى منهارة؟
من يدفع ثمن الحرب؟ سؤال هام علينا أن نسأله ،فعند اندلاع الحرب، لا يدفع الساسة الثمن وحدهم. بل يُدفع الثمن من دماء الجنود، من أرواح المدنيين، من قوت الفقراء، من مستقبل الأطفال، ومن استقرار المجتمعات.
الجندي الذي يُرسل إلى الجبهة هو ابن هذا الشعب، والمدني الذي تُقصف مدينته هو من نعيش معه في نفس الوطن.
الحرب تغيّر كل شيء. المدارس تُغلق، المستشفيات تمتلئ، الأسواق تُشل، والاستثمار يهرب.
هي ليست حالة عابرة، بل زلزال يعيد تشكيل الواقع بأكمله، وقد لا تعود الحياة كما كانت من قبل أبدًا.
يا سادة قرار الحرب لا يكون بالعاطفة فقط ، لا أحد يرفض نصرة المظلوم أو الدفاع عن القضايا العادلة. لكن الحرب ليست وسيلة تلقائية لذلك، وليست الخيار الوحيد، ولا يجب أن تكون أول رد فعل.
هناك حسابات دقيقة ومعقدة تتعلق بالقدرات العسكرية، والاقتصادية، والداخلية، والتحالفات الدولية، والمخاطر الاستراتيجية.
حتى الجيوش لا تقاتل فقط بالشجاعة، بل بالتخطيط، والموارد، والتوقيت، والمعلومات. فمن يدفع باتجاه الحرب دون فهم كامل لهذه الأبعاد، إنما يغامر ببلد وشعب، وليس فقط بموقف.
الدعم الحقيقي لا يعني بالضرورة الحرب ، فمساندة الشعوب والقضايا العادلة قد تكون بالدبلوماسية القوية، أو بالدعم الإنساني، أو بالمقاطعة الاقتصادية، أو بتوحيد الصف العربي والدولي، أو حتى بالردع غير المباشر. كل هذه أدوات مشروعة ومؤثرة، وتُستخدم في أوقات تختلف حسب الظروف.
أن تكون حريصًا على بلدك لا يعني أن تتقاعس، ولكن أن تُفكر بعقل الدولة، لا بعاطفة اللحظة.
في النهاية صوت العقل لا يعني الجبن ، ففي زمن التوترات، يُظن أن من يدعو للحكمة خائف، وأن من يطالب بالحرب شجاع. لكن الحقيقة عكس ذلك: الحكمة ليست جبنًا، والحرب ليست شجاعة دائمًا.
الشجاعة الحقيقية هي أن تعرف متى تقاتل، ومتى تتريث، ومتى تختار الطريق الذي يحقق نصرة الحق دون أن تُغرق بلدك في ظلمات لا خروج منها.
فكّر قبل أن تطالب بالحرب، لأنها ليست نزهة… بل نار، إذا اشتعلت، لا تُبقي ولا تذر.