أطفال غزة وأمهاتهم يأكلون القمامة

بقلم عبدالله معروف
متابعة عادل شلبي
في رُكنٍ صغيرٍ من هذا الكوكب، حيثُ الشمسُ تشرق كما في سائر البلاد، تنطفئ الأرواح بصمتٍ قاتل. هناك، في غزة، لا يُقاس الوقت بالساعات، بل بعدد الوجوه التي تتناقص، بعدد القلوب التي تتوقف عن النبض جوعًا، بعدد الأطفال الذين ينهشون من بقايا القمامة ليبقوا أحياء.
وهناك، بين الركام، بين الصفيح والمخيمات، تصدح الأمهات بصوتٍ يرتجف له الوجدان:
“يا الله، أطعم صغاري… يا الله، لا تدعهم يموتون أمام عيني!”
أمهاتٌ لم يعد لديهنّ حليب، ولا طعام، ولا حتى دموع.
نساءٌ يرفعن أكفّهن للسماء، يرددن التهليلة والنشيد، لا فرحًا، بل رجاءً…
يرتلن الأدعية كما تُرتل التعاويذ القديمة، على أرغفةٍ لم تأتِ، وعلى أطفالٍ ما عادوا يعرفون طعم الخبز.
واحدة تُنشد وتبكي:
“ابني نام بلا عشاء… ابني نحيلٌ كعود القصب… هل ماتت الأرض؟ هل ماتت القلوب؟”
أيُّ زمنٍ هذا؟
أيّ زمنٍ هذا الذي تغني فيه الأم لأجل لقمة؟
أي عصرٍ هذا الذي يُكافَأ فيه الصمود بالخذلان، وتُترك فيه البراءة لتنهار تحت ثقل الجوع؟
في غزة، لم يعد الغناء للفرح، بل صار وسيلةً لمقاومة الانهيار.
هناك، كل نشيدٍ هو نداء استغاثة، كل تسبيحةٍ ترجّ أبواب السماء المغلقة في وجه الجائعين.
العالمُ يرى… ويصمت
تمرّ صور الأطفال بأجسادهم النحيلة كأنها هياكل من عظام، تعانق بعضها تحت بطانياتٍ مهترئة، وتمرّ أصوات الأمهات وهي تستجدي الرحمة كأنها صدى بعيد، لا يصل.
الأمم تراقب، والضمائر صامتة، والقلوب غارقة في بحر من التجاهل.
أين أنتم؟
أين من يدّعي الإنسانية؟
أين من يرفع شعار حقوق الطفل؟
أين من تظاهر من أجل حيوانات تُقتل، وخرسَ حين ماتت الطفولة في غزة جوعًا؟!
متى صار الجوع سلاحًا؟ متى أصبح النشيد عريضةً للغذاء؟
هل رأيتم أمًّا تغني كي لا يبكي طفلها من الجوع؟
هل سمعتم صوتًا أكثر وجعًا من نشيد أمٍّ ترى عيني طفلها تنطفئان؟
هؤلاء النسوة لا يُردّدن أناشيد الثورة، بل صلوات الجوع… وسُطور الحكاية الأخيرة.
غزة لا تموت… لكنها تُذبح على مراحل
جثث الأطفال لا تحتاج أكفانًا، بل قلوبًا حيّة.
غزة لا تحتاج بيانات إدانة، بل فعلًا يُوقِف هذا الجنون.
لا تطلب الشفقة، بل العدالة.
هي لا تستجدي الحياة، بل تصرخ في وجه الموت: لن ننهزم!
ورغم كل شيء، ستُبقي غزة على عهدها، أن لا تُسلّم الراية، ولو مات الأطفال جوعًا، ولو ترددت الأمهات بالأناشيد بدل الأ lullabies.
في النهاية… أطفالي يأكلون من الزبالة…
وأمهاتهم يُنشدن من أجل كسرة خبز…
والعالمُ، بعينه المفتوحة، يختار أن لا يرى.
هذه ليست قصة، بل نداء.
هذه ليست كلمات، بل خناجر في صدر الصمت.
وإن لم تتحركوا اليوم، فغدًا سيكتب التاريخ:
“ماتت الطفولة في غزة، والضمير العالمي كان حاضرًا… لكنه كان أعمى.”