
من النكبة إلى غزة: التطهير العرقي سياسة مستمرة منذ 1948
بقلم عبدالله معروف
متابعة عادل شلبي
لم تكن نكبة عام 1948 مجرد حدث عابر في التاريخ الفلسطيني، بل كانت بداية مشروع استعماري إحلالي هدفه تفريغ الأرض من سكانها الأصليين لإقامة دولة يهودية ذات طابع ديموغرافي نقي. اليوم، وبعد مرور أكثر من 75 عامًا، تتكرر النكبة في قطاع غزة، بأساليب مختلفة لكن بجوهر واحد: تطهير عرقي مستمر.
في عام 1948، وضعت القيادة الصهيونية خطة دالِت التي نصّت صراحة على احتلال القرى والمدن الفلسطينية وطرد سكانها وتدميرها لمنع عودتهم. نفّذت الخطة ميليشيات “الهاجاناه” و”الأرغون”، وأسفرت عن تهجير أكثر من 750,000 فلسطيني وتدمير أكثر من 500 بلدة. كتب يوسف ويتز، أحد كبار مهندسي المشروع الاستيطاني، أن “علينا ألا نترك قرية واحدة، لا في الجليل ولا في النقب. يجب أن نُطهّر البلاد من العرب”. هذه ليست كلمات عابرة، بل تعكس ذهنية سياسية لا تزال حاضرة حتى اليوم.
ما يجري في غزة بعد عام 2023 هو استمرارية لهذا المشروع. تقارير قانونية صادرة عن جامعات كبرى مثل ييل وكورنيل وبوسطن تؤكد أن ما يحدث في غزة يرقى إلى جريمة إبادة جماعية وتطهير عرقي بموجب القانون الدولي، إذ يشمل التدمير المنهجي للبنية التحتية، القتل الجماعي للمدنيين، وتجريد السكان من أدنى مقومات الحياة، تزامنًا مع منعهم من العودة إلى مناطقهم وطرح “الهجرة الطوعية” كخيار وحيد. هذه ليست أزمة إنسانية عشوائية، بل سياسة ممنهجة.
التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين توثّق النية الصريحة خلف هذه السياسات. وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وصف تهجير الغزيين بأنه “الحل الإنساني والعادل”، فيما قال وزير المالية بيزائيل سموتريتش إن من الأفضل “خفض عدد سكان غزة إلى النصف خلال عامين عبر الهجرة الطوعية”. نتنياهو نفسه قال إن “المشكلة ليست في السماح بالخروج، بل في الدول التي ستستقبلهم”، في إشارة إلى مفاوضات مع دول إفريقية وآسيوية لاستقبال الفلسطينيين. وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون أقرّ صراحة بأن ما يحدث في شمال غزة هو “تطهير عرقي”، مضيفًا أن الجيش يمنع السكان من العودة عمدًا.
الأسلوب الإسرائيلي لم يتغير منذ عام 1948: يبدأ بالعنف المفرط والتدمير الشامل، يتبعه حصار خانق وظروف لا تُطاق، ثم يُطرح التهجير كخيار “طوعي”، في محاولة لإخفاء الطبيعة القسرية للسياسة. هذه الاستراتيجية تتطابق مع ما جرى في النكبة الأولى، عندما زعمت الدعاية الصهيونية أن الفلسطينيين غادروا “طوعًا”، في حين أظهرت الوثائق لاحقًا أنهم أُجبروا على الرحيل تحت تهديد المجازر.
ما يُعرض اليوم على أنه “هجرة طوعية” هو في الحقيقة تهجير قسري مغلف بمصطلحات إنسانية زائفة، وهو جزء من مشروع سياسي طويل الأمد يهدف إلى تفريغ فلسطين من شعبها وتثبيت السيطرة الكاملة على الأرض. التغيير الوحيد الذي حدث هو في اللغة، أما الأهداف والوسائل فهي ذاتها، تُنفذ على مراحل، وتُبرر تحت عناوين الأمن أو الحلول الإنسانية.
ما بين نكبة 1948 وعدوان 2023–2025 على غزة، تتضح الصورة الكاملة: التطهير العرقي لم يكن مجرد ماضٍ، بل هو واقع حي يتجدد، تُغذّيه العقيدة الصهيونية، وتُشرعنه الدولة، ويغض عنه العالم الطرف.