متابعة/ عادل شلبى
على مدار 20 شهراً، بعد اندلاع أحداث 25 يناير، التي تولى خلالها المجلس الأعلى للقوات المسلحة أمور البلاد، برئاسة السيد المشير محمد حسين طنطاوي، رحمة الله عليه، تلك الفترة التي مثلت أصعب فترات مصر، في التاريخ الحديث، إذ كان من الممكن أن تقضي على مستقبل الاستقرار في مصر، سمعت خلال تلك الفترة المشير طنطاوي يردد عبارة “أنا ماسك في إيدي جمرة نار … الدنيا مولعة، وأنا خايف على مصر”.
تذكرت تلك الكلمات وأنا أتابع ما يدور في المنطقة والعالم العربي، وشعرت وكأن الرئيس السيسي يحمل في يده جمرة النار، مرة أخرى، وخوفه على أمن مصر واستقرارها، بعدما اشتد وطيس الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وتحولت إلى منطقة توتر ونزاع وحرب، قد تمتد آثارها، الوخيمة، إلى كل الأطراف.
كانت البداية يوم أن استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في زيارته السابقة لمصر، فعادة ما تكون مثل تلك اللقاءات مغلقة، وقد يعقبها في بعض الأحيان مؤتمراً صحفياً، يتم خلاله إعلان الخطوط العريضة لما جرى أثناء اللقاء، إلا أنه، ولأول مرة، يذاع اللقاء، على الهواء مباشراً، في سابقة تعد الأولى من نوعها، فكان جلياً أن السيد الرئيس قصد إعلام، الداخل والخارج، بوضوح موقف مصر تجاه القضايا الراهنة، وقرار مصر بشأنها.
فشهدنا رد الرئيس السيسي على طلب وزير الخارجية الأمريكي بفتح معبر رفح لمرور عدد من المواطنين الأمريكيين من غزة إلى مصر، وكيف رفض سيادته أن يقتصر فتح المعبر لأغراض مرور الأمريكيون، فقط، بينما يبقى أكثر من مليوني فلسطيني، محاصرون في غزة، وقد قطعت عنهم قوات الاحتلال الطعام والمياه والمستلزمات الطبية والدوائية، وكل سبل الحياة. وتابعنا رد الرئيس بأن مصر لن تفتح المعبر، إلا بعد إدخال المعونات الإنسانية إلى أهالي غزة المحاصرين فيها، وبموافقة وزير الخارجية الأمريكي على قرار السيد الرئيس، ثبُت للجميع أن مصر لا يملى عليها قراراتها، من أية جهة، مهما كان ترتيبها في موازين القوة.
وكغيري من أبناء الشعب المصري، شعرت بالفخر والعزة من موقف مصر ضد رغبة الولايات المتحدة، من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني، وبلغت شعبية الرئيس السيسي ذروتها بين أفراد الشعب المصري، تقديراً لموقفه الواضح، الذي عبر عن الإرادة الشعبية، في هذه اللحظات العصيبة، والذي أكد أن قرار مصر نابع من دورها الوطني ومكانتها العربية.
وبالفعل تم التنسيق لفتح معبر رفح لمرور قوافل الإغاثة الإنسانية، بحضور السكرتير العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو جوتيريش، لمتابعة مرور الشاحنات إلى غزة، إلا أن إسرائيل تعنتت في الأمر، مما أثار استياء الكثير من شعوب، وتسبب في إحراج قادة العالم، لعدم مبالاة إسرائيل بقرارات الأمم المتحدة، بل ومطالبتها باستقالة السكرتير العام، بعدما صرح بأن المقاومة الفلسطينية، لم تأت من فراغ. ورغم ذلك لم يتراجع الرئيس السيسي عن موقفه، وأصر على عبور شاحنات الإغاثة الإنسانية، أولاً، إلى الشعب الفلسطيني في غزة.
أما ثان قرارات السيد الرئيس، فكان رفضه للتهجير القسري لسكان غزة إلى مصر، وكان الرئيس حاسماً في رفضه، موضحاً ما في تلك المحاولة من إضرار بالغ بالقضية الفلسطينية، وتفريغاً لها من مضمونها، مكرراً لوزير الخارجية الأمريكي، أن رفضه يعبر عن رغبة الشعب المصري. وبناءً عليه، غرد وزير الخارجية الأمريكي، على صفحته الرسمية على منصة “تويتر” أو “إكس”، أن أمريكا لا توافق على عملية النقل القسري لسكان غزة إلى مصر، ليكون ذلك الانتصار الثاني للرئيس السيسي أمام القرارات الغربية، التي تضر بالمصالح الوطنية، والعربية.
فرغم سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منذ بدء الأحداث، لاستمالة رؤساء أمريكا وأوروبا لدعم وتعزيز محاولاته لعملية النقل القسري، لسكان غزة إلى مصر، إلا أن حسم قرار الرئيس السيسي، الذي أيدته الإدارة الأمريكية، قضى على محاولات نتنياهو، وأصابه بالإحباط. وفي ذات السياق، فقد أكد الرئيس السيسي، خلال مقابلته مع وزير الخارجية الأمريكي، أن حل القضية الفلسطينية، لابد وأن يقوم على أساس حل الدولتين، إحداهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية، بناءً على حدود 4 يونيو 67، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وهو القرار الذي أيدته الإدارة الأمريكية، كما أتضح من تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، لاحقاً، ليصاب نتنياهو بخيبة الأمل من تنفيذ مخططه بإجلاء جميع الفلسطينيين، عله يستعيد ولو القدر الضئيل من شعبيته التي فقدها، تماماً، وسط مؤيديه.
وأمام تلك الأحداث المتلاحقة، التي لازلنا نشهد تصاعدها، رغم مرور أكثر من شهر على اندلاعها، شعرت أن الرئيس السيسي يحمل بين يديه جمر النار، بينما يتخذ قراراته بحسم، ووضوح، واضعاً نصب عينيه صالح مصر وأمنها القومي، كهدف أساسي لا يقبل المساومة، دون التفريط في حق الشعب الفلسطيني في حل عادل لقضيته، ليؤكد، مرة جديدة، على مكانة مصر، كحجر زاوية المنطقة، وقلب العروبة النابض، والشقيقة الكبرى، دون مبالغة، أو تحيز، التي كان، ولا يزال، قدرها، دوماً، أن تحمل كل مشاكل الأمة العربية، التي تستمد حلها من موقف مصر الثابت، رغم مزايدات البعض.
فدعوت المولى عز وجل أن يعين السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويعين شعب مصر العظيم، حتى تجاوز تلك المرحلة المضطربة، وتبقى مصر، دائماً، الحصن الأمين للأمة العربية.
إتبعنا